ما الذي قصدَ إليهِ سيِّدُنا موسى بِدُعائهِ اللهَ تعالى “رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ”؟

خرجَ سيدُنا موسى من مصرَ “خائفاً مترقباً” من بعدِ أن أنبأَهُ رجلٌ من أهلِها بأنَّ القومَ، الذين قتلَ منهم سيدُنا موسى رجلاً، يتآمرونَ بُغيةَ النَّيلِ منه. فتوجَّهَ سيدُنا موسى إلى مَدينَ، ولما وصلَ العينَ التي كان الرُّعاةُ يسقونَ غنَمَهم من ماءِها، وجدَ عند العين امرأتين في حيرةٍ من أمرِهما وهما تحاولان أن تسقيا غنَمَهما. فسقى لهما سيدُنا موسى ثم جلسَ بعدها يستظِلُّ بشجرةٍ، فدعا اللهَ حينَها دعاءً حفظته لنا الآيةُ الكريمة 24 من سورةِ القَصَص: (وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ. فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) (23- 24 القَصَص). فما الذي قصد إليه سيدُنا موسى بدعائه اللهَ تعالى “رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ”؟ وهل كان سيدُنا موسى يُريدُ بدعائِهِ هذا “شيئاً محدداً بعَينِه” أَم أنَّه فوَّضَ الأمرَ إلى اللهِ تعالى يرزُقُه مما يشاء؟
يُعينُ على الإجابةِ على هذا السؤال أن نستذكرَ ما جاءتنا به سورةُ آل عمران في الآيةِ الكريمة 37 منها: (كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ). فسيدُنا موسى، ومن سابقِ خِبرتِه مع اللهِ تعالى، كان يعلمُ عِلمَ اليقين أنَّ الأمرَ كلَّهُ للهِ، وأنَّ الرزقَ بيدِ الله، وأنَّ الخيرَ هو فيما اختارَهُ له الله، وأنَّ الأجدرَ به أن يُفوِّضَ أمرَه إلى الله فلا يسألَ اللهَ أن يرزُقَه “شيئاً مُحدَّداً بِعَينِه” واللهُ هو الرزاقُ ذو الفضلِ العظيم. ولقد كان لسيدِنا موسى ما أراد، إذ لو أنَّه كان قد سألَ اللهَ أن يرزُقَه “شيئاً مُحدَّداً بِعَينه”، لما كان له أن يصيبه من عظيمِ فضلِ اللهِ وواسعِ رحمتِه ما جعله يحظى بما حظِيَ به من رزقٍ وأمان إذ استأجرَه والدُ الامرأتَين اللتين سقى لهما وزوَّجَه إحداهما.
فسيدُنا موسى، إذ سألَ اللهَ تعالى فدعاه أن يُسبِغَ عليه من الخيرِ ما سبقَ له وأن خَبِرَه من عظيمِ فضلِ اللهِ عليه، فإنَّه بذلك قد أوكلَ أمرَهُ إلى الله فكانَ له، بهذا التوكُّلِ على الله، أن يؤتِيَهُ اللهُ من واسعِ رزقِه ما لم يكن ليخطرَ لهُ على بال.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s