خَشيَةُ الله

نقرأُ في سورةِ الحشر، وفي الآية الكريمة 21 منها، قَولَ اللهِ تعالى: (لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ). وهذا الذي سيُصبِحُ عليهِ الجبلُ من خشوعٍ وتصدُّع، لو أنَّ اللهَ تعالى أنزلَ قرآنَه العظيمَ عليه، لَيُذكِّرُ بحالِ الحجارةِ التي وصفتها الآية الكريمة 74 من سورة البقرة بأنَّ منها ما يهبطُ من “خَشيةِ الله”: (وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ). والجبلُ والحجارةُ “جمادان” هما عند كثيرٍ من الناسِ لا يفقهان ولا يَعِيان ولا يعقِلان!
قارن ذلك بحالِ أولئك الذين قالَ فيهم ربُّهم: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً) (من 77 النساء). فلماذا يعجزُ كثيرٌ من الناسِ عن “خشيةِ الله” بينما لا تملكُ الحجارة، ولا يملكُ الجبلُ، غيرَ أن يخشيا الله؟!
يُعينُ على تبيُّنِ الإجابةِ على هذا السؤال أن نستذكرَ ونتدبَّرَ الآياتِ الكريمةَ التالية:
1- (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ) (من 39 سورة الأحزاب).
2- (إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ) (من 18 فاطر).
3- (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ) (من 18 التوبة).
4- (وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ) (21 الرعد).
5- (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ. الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ) (48- 49 الأنبياء).
6- (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) (من 28 فاطر).
7- (إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) (12 المُلك).
8- (فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى. سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى) (9- 10 الأعلى).
ولذلك أمرَ اللهُ تعالى رسولَه الكريم صلَّى اللهُ تعالى عليه وسلَّم بأن يخشاهُ ولا يخشَ أحداً سواه: (وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ) (من 37 سورة الأحزاب). وهو عينُ ما أمرَ اللهُ تعالى به عبادَه الذين آمنوا: (وَاخْشَوْنِ) (من 3 المائدة)، (فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ) (من 13 التوبة).
ولقد جعلَ اللهُ تعالى لعبادِه الذين يخشونَه أجراً عظيماً، وذلك لما تقتضيه “خَشيةُ الله” من مجاهدةٍ للنفسِ لا يقوى على تجشُّمِ عظيمِ عنائِها إلا مَن وصفت حالَه مع اللهِ تعالى الآيةُ الكريمة: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ) (52 النور).

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s