
يُصِرُّ كثيرٌ منا على الإعراضِ عن حقائقِ القرآنِ العظيم طالما كانت هذه الحقائقُ لا تتفقُ مع ما نظنُّ ونتوهَّمُ أنَّها الحقيقةُ التي لا ينبغي لشيءٍ أن يحيدَ عنها! ومن هذه الحقائقِ القرآنية الحقيقةُ التي ينطوي عليها قَولُ اللهِ تعالى: (وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا) (من 28 النساء). فالإنسانُ، كما يراهُ كثيرٌ منا، كائنٌ هو أقربُ ما يكونُ إلى “الإنسانِ الخارق” الذي لا نَقصَ يعتورُ بَدَنَه ولا قصورَ يَشوبُ أداءَه! ولقد فنَّدَ اللهُ في قرآنِه العظيم هذه الظنونَ والأوهام ودحضَها بما بيَّنه لنا وفصَّله قَولُهُ تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) (15 فاطر)، و(وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ) (من 38 محمد).
فاللهُ تعالى ما أفقرَ الإنسانَ إليه إلا حِرصاً منه عليه لئلا توهِمُهُ نفسُه بأن لا حاجةَ له إلى مَن يتوجَّبُ عليهِ أن يُخلِصَ له دينَه ويعبدَه إلهاً واحداً لا شريكَ له! و”الفقرُ إلى الله” هو حالُ بَني آدمَ كلِّهم جميعاً أنكروا ذلك أَم أقرُّوا به. ولذلك جاءَ دينُ اللهِ تعالى ليُعلِّمَ الإنسانَ كيفَ يُقِرُّ بهذا الذي تريدُهُ نفسُه أن يُنكِرَه ولا يُقِرَّ به من فَقرٍ إلى الله. فـ “الافتقارُ إلى اللهِ” إذاً هو ما ينبغي أن يكونَ عليه حالُ الإنسانِ مع اللهِ. وهذا الأمرُ يقتضي من الإنسانِ أن يتديَّنَ التديُّنَ الحق بدينِ الله حتى يَصِلَ به تديُّنُه هذا إلى الإيقانِ بأنَّهُ فقيرٌ إلى اللهِ حقاً. فإذا ما تيقَّنَ الإنسانُ من أنَّهُ فقيرٌ إلى اللهِ حقاً، فإنه سوف يُصبِحُ عندها من عبادِ الله المفتقرين إلى الله، والذين تحقَّقَ لكلٍّ منهم حالُ الافتقارِ إلى الله إقراراً وإيقاناً بأنَّهُ فقيرٌ إلى اللهِ حقاً.