
خُلِقَ الإنسانُ ضعيفاً وخُلِقت دنياهُ جبارةً قويةً عَصيَّة. ولذلك كان الإنسانُ يَميلُ إلى الشَّكوى لِعِلَّةٍ أو مِن غيرِ عِلة! وبَنو آدمَ يتمايَزونَ فيما بينهم، وذلك على قدرِ تعلُّقِ الأمرِ بما يستاءُون منه من دُنياهُم، تمايُزاً لا تُخطِؤه أذنٌ ولا عين! فمنهم مَن يشتكي مِن هذا أو ذاكَ من خلقِ الله، فيشكوهُ إلى الله، وإن كانَ هو الذي جرَّ على نفسِهِ ما يتَّهمُ بهِ هذا الذي شكاهُ إلى الله، ومنهم مَن يشكو إلى اللهِ هذا الذي هو عليهِ من حالٍ تسبَّبَ فيهِ مَن ليس بالعسيرِ إيرادُ ما يكفي من البراهينِ والأدلةِ على أنَّهُ هو المُتسبِّبُ فيه حقاً وحقيقةً!
فسيدُنا يعقوب شكا بثَّهُ وحُزنَهُ إلى الله (قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ) (من 86 يوسف)، ومن دون أن يشتكي من بَنيهِ الذين يعلمُ عِلمَ اليقين أنَّهم هم المتسبِّبون في حالِه هذا! وقد يُعقِّبُ البعضُ فيقولُ بأنَّ ذلك من فرطِ حنانِ سيدِنا يعقوب على بَنِيهِ وعظيمِ إشفاقِه عليهم لئلا يُعاجِلَهم اللهُ تعالى بِعقابِه جراءَ ما جنتهُ أيديهم. وبرهانُ بطلانِ هذا الرأي أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ تعالى عليه وسلَّم لم يَشكُ إلى اللهِ قَومَهُ، ولا شكا إليهِ أهلَ الطائفِ الذين كان للسُّفهاءِ منهم معه ما كان، فقالَ مُستهلَّ دعائهِ الشريف (دعاء الطائف): “اللهم إليك أشكو ضَعفَ قوتي وقِلةَ حِيلتي وهَواني على الناس…”.
فللشكوى إلى اللهِ تعالى أدبٌ لابد وأن يحرصَ الشاكي حالَه إلى الله على أن يتحلَّى به ويتأدب. فإن ساءَ المرءَ من أحدِهم قَولٌ أو فِعل، فإنَّ “أدبَ الشكوى إلى اللهِ تعالى” يُملي عليه ويُوجِبُ ألا يُعَرِّضَ بمَن أساءَ إليه، وأن يكتفيَ بأن يعرضَ على اللهِ حالَه الذي هو أعلمُ منهُ به.