
سألَ المَلأُ من بَني إسرائيل من بعدِ سيدِنا موسى نبياً لهم أن يسألَ اللهَ تعالى أن يبعثَ لهم ملِكاً يقودُهم في حربِهم على القومِ الذين ظلموهم وأخرجوهم من دِيارِهم وأبنائهم واستولوا عُنوةً على “التابوت” الذي توارثوه عن آبائهم الأوَّلين وصولاً إلى هارونَ وموسى عليهما السلام: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا) (من 246 البقرة).
ثم أنَّ نبيَّهم أنبأهم بأنَّ اللهَ تعالى قد اختارَ واحداً منهم كان أعظمَهم جسماً وأوسَعَهم عِلماً بالتوراة: (وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (247 البقرة).
فلما رأى نبيُّهم أنَّهم لن يرضَوا بطالوتَ مَلِكاً عليهم طالما لم يتأتَّ له أن يكونَ أكثرَهم مالاً، ما لم يُضطروا إلى ذلك إرغاماً واضطراراً، سألَّ اللهَ تعالى أن يؤيِّدَ طالوتَ بآيةٍ معجزةٍ لن يملكَ القومُ حِيالَها غيرَ أن يُقِرُّوا له بعدَها بالمُلكِ عليهم صاغرينَ مُذعنين: (وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (٢٤٨ البقرة).
فكان أن استجابَ اللهُ تعالى دعاءَ نبيِّه فأمرَ الملائكةَ بأن يُغِيروا على القومِ الذين استولوا على “التابوتِ”، فأخذوهُ منهم عنوةً وارتفعوا به عالياً في جَوِّ السماءِ فلا يكادُ يُخطِئُهُ الناظرُ إليه! وفي هذا ما فيه من آيةٍ وبرهانٍ على أنَّ مَن استقرَّ “التابوتُ” عنده هو مَن اصطفاهُ اللهُ تعالى ملِكاً عليهم، وذلك من بعدِ أن حطَّت الملائكةُ بالتابوتِ على غيرِ مبعدَةٍ من طالوتَ وليس أحداً آخرَ غيرَه.