
يعيشُ إنسانُ هذا الزمان أوقاتاً غيرَ مسبوقة، وذلك على قدرِ تعلُّقِ الأمرِ بالتحدياتِ التي يتعيَّنُ عليهِ أن يُجابِهَها أما وقد اضطرَّهُ التقدُّمُ التكنولوجي إلى خَوضِ صِراعٍ لطيفٍ خَفي بينَ ما يشدُّهُ إليهِ ماضيهِ بوثيقِ العلائقِ، وبينَ ما يجتذبُهُ إليهِ مستقبلُهُ انتشالاً له من المهالِكِ والبوائق. وبالنظرِ إلى عجزِ هذا الإنسانِ عن أن يحسِمَ الأمرَ، وبما يجعلُهُ يُفلِحُ في اتِّخاذِ الوجهةِ التي تكفلُ لهُ العبورَ إلى بَرِّ الأمان، فإنَّ المرءَ لن يُجانِبَ الصوابَ إذا ما وصفَ الحالَ الذي هو عليه هذا الإنسانُ بأنَّهُ قد جعلَهُ مضطراً إلى التوقُّفِ عند “مفترقِ طرقٍ تطوري” إن اجتازَهُ كُتِبَت لهُ السلامةُ وإلا فهو لاريبَ الخسرانُ المُبين!
فما السبيلُ إذاً إلى اجتيازِ هذا “المفترقِ التطوري” بنجاح؟ وهل يُقدِمُ إنسانُ هذا الزمانِ على القيامِ بكلِّ ما يقتضيه منه الأمرُ حتى وإن اضطرَّهُ ذلك إلى تقديمِ تنازلاتٍ مؤلمة؟ وهل بمقدورِ الإنسانِ المفاضلةُ بين تحدِّياتِ هذا “المفترقِ التطوري” حتى يتمكنَ من اتِّخاذِ الخيارِ الصحيح الذي دونَهُ الإخفاقُ الذَّريعُ وبما يُمثِّلُه من ارتكاسٍ تطوري سيُبقيهِ “أسفلَ سافلين”؟!