
نقرأُ في سورةِ الأحزاب، وفي الآية الكريمة 72 منها، قَولَ اللهِ تعالى: (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا). فما هي هذه الأمانةُ التي أبَت السمواتُ والأرضُ والجبالُ أن يحملنها وحملَها الإنسان؟
يُعِينُ على الإجابةِ على هذا السؤال أن نتدبَّرَ الآيةَ الكريمةَ التالية: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) (من 58 النساء). فالأمانةُ التي أبت السمواتُ والأرضُ والجبالُ أن يحمِلنَها، إشفاقاً منها ومما يقتضيهِ الأمرُ حتى تؤدِّيَها من بعدُ إلى اللهِ تعالى، هي التي لم يتورَّع الإنسانُ عن حملِها فحملَها ظُلماً منه لنفسِهِ وجهلاً منه بما يقتضيه الأمرُ من جانبِهِ حتى يؤدِّيَها من بعدُ إلى اللهِ تعالى كما تسلَّمَها خالصةً من أن يشوبَها ويُخالِطَها من شوائبِ “النفسِ والهَوى” ما يجعلُها “شيئاً آخرَ” غيرَ التي سبقَ له وأن تسلَّمَها من اللهِ تعالى.
وهذه الأمانةُ هي كلُّ ما يخوَّلُ اللهُ تعالى مخلوقاً ما التعاملَ معه، أخذاً منه وعطاءً له، وذلك وفقاً لما تقتضيهِ الأسبابُ والقوانينُ التي كفلَ اللهُ تعالى للوجودِ أن يقومَ بها بإذنِه. فالإنسانُ، إذ ألزمَ نفسَهُ بحملِ هذه الأمانةِ، فإنَّه لم يلتزم بما توجبُه عليه من ألا يجعلَ لمخلوقٍ عليهِ سلطاناً، وبألاَّ يتسلَّطَ هو بدورِه على غيرِهِ من مخلوقاتِ الله وذلك على قدرِ تعلُّقِ الأمرِ بما يقومُ عليهِ “التوحيدُ الخالصُ للهِ تعالى” حتى لا يُشرِكَ باللهِ أحداً من خلقِه فيما آتاهُ اللهُ وفيما جعلَهُ السببَ في إيتاءِ الآخرين بإذنِه. فالإنسانُ إذ حمل الأمانةَ، فإنَّه لم يُؤدِها للهِ وفقاً لِما سبقَ وأن اشترطَه عليه الله، إذ أشركَ باللِه فلم يؤمن به إلا وهو مشرك: (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) (106 يوسف).