
يقولُ ابنُ عطاءِ اللهِ السكندري في كتابِه “الحِكَم العطائية”: “كيف تُخرَقُ لك العوائد وأنت لم تخرِق من نفسِك العوائد”. فكلٌّ منا إذ يدعو اللهَ تعالى أن يُيَسِّرَ له أمرَه، ويرزقَه من حيثُ لا يحتسب ويكفيَه ويُغنِيَه ويجعلَه بمنأى عن شّرِّ كلِّ ذي شَر ويؤتِيَه من خيراتِ الدنيا ما يجعلُهُ قَريرَ العينِ مطمئنَّ البال فلا يرهبُ من زمانِهِ أحداً ولا يرى منه ما يُرعِبُ، فإنَّه إنما يرجو من اللهِ تعالى الإجابةَ وبما يجعلُ مُرادَه يتحقَّقُ بلمحِ البصرِ أو أقرب. وكلٌّ منا إذ يتوجَّهُ إلى اللهِ تعالى بهذه المسألةِ أو تلك، فإنَّه إنما يغفلُ عن تذكُّرِ الحقيقتَين التاليتَين:
1- أنَّ السوادَ الأعظمَ مما يسألُ العِبادُ اللهَ تعالى أن يحقِّقَه لهم لَيقتضي خرقاً للنواميسِ والعاداتِ وللأسبابِ والقوانين التي بثَّها اللهُ تعالى في الوجودِ ليستقيمَ أمرُه ولِتجريَ وقائِعُه وأحداثُه وفقاً لنظامٍ إلهي فائقِ الدقةِ والتعقيد وبما يجعلُ الإخلالَ به ضرباً من المستحيل!
2- أنًّ القرآنَ العظيم قد بيَّنَ لنا هذا الذي كان عليهِ المؤمنون الصادقون من حالٍ مع اللهِ تعالى جعلَهم أهلاً لأن يتجلَّى عليهم وحوالَيهم من عظيمِ فضلِ الله ما خُرِقَت لهم به العوائدُ وطُوِّعَ لهم به المستحيل.
فكيف لنا إذاً أن نأملَ أن يستجيبَ اللهُ دعاءَنا، فيخرقَ بذلك العوائد ويُذلِّلَ المستحيل، ونحن ما اقتدَينا بعبادِه المؤمنين به حقَّ الإيمان ولا اتَّقيناهُ حقَّ تُقاتِه ولا كان حالُنا معه لِيختلفَ في شيءٍ عن حالِ مَن كانت الدنيا أكبرَ همِّهِ ومبلغَ عِلمِه؟! فمتى نوقِنُ إذاً أنَّ اللهَ تعالى لن يخرِقَ لنا عوائدَ الكونِ حتى يخرقَ الواحدُ منا عوائدَ نفسِه فلا يعودَ بعدها بمقدورها أن تتسلَّطَ عليه وبما يجعلُه لا يعصي لها أمراً ولا يرفضُ لها طلباً وهي التي ما تأمرُ إلا بالسوءِ الذي يجعلُ صاحبَه لا يحظى من اللهِ تعالى إلا بأكبرِ المَقت؟!