كيف ينبغي أن ننظُرَ إلى الإنسان؟

هل يكفي أن نُعرِّفَ الإنسانَ بدلالةٍ من عقلِهِ الجبار فحسب؟
تقتضي الإجابةُ الصائبةُ على هذا السؤال أن ننظرَ إلى الإنسانِ نظرةً تنأى بنا عن “اختزالِ” كيانِهِ المعقَّد إلى مجردِ حاسوبٍ جبار بمقدورِهِ أن يقومَ بما يعجزُ عن القيام به أسرعُ جهازِ حاسوبٍ بين أيدينا! فالإنسانُ أعقدُ بكثيرٍ جداً من ذلك، وذلك كما يتبيَّنُ لكلِّ مَن يُمعِنُ النظرَ في أفعالِ الإنسانِ وردودِ أفعالِه. فلو كان الإنسانُ مجردَ عقلٍ ليس إلا، فلماذا يصدرُ عنه من الأفعالِ وردودِ الأفعالِ ما لا يتفقُ مع ما يقضي به العقلُ من قواعدَ وأحكام؟! فقدرةُ الإنسانِ على أن تجيءَ أفعالُهُ وردودُ أفعالِه منافيةً للمنطقِ العقلي ليس لها من تفسيرٍ عقلاني! فلماذا يُقدِمُ الإنسانُ على القيامِ بما لا يتفقُ مع مقتضياتِ العقلِ إذا كان العقلُ يكفي للتعريفِ به؟! ولماذا يعجزُ العقلُ عن ردعِ الإنسانِ عن الجنوحِ عن جادةِ الصواب إذا كان الإنسانُ كائناً عاقلاً فحسب؟! أفلا تدلُّ مقدرةُ الإنسانِ على الحيودِ بعيداً عما يقتضيهِ العقلُ ويقضي به على أنَّ هنالك “شيئاً ما آخر” لابد أن نُقِرَّ بتواجُدِهِ ضمن كيانِه، وذلك حتى يُصبِحَ بمقدورِنا أن نُعلِّلَ لكلِّ ما هو غيرُ معقولٍ من أفعالِ الإنسانِ وردودِ أفعاله؟! ولماذا كلُّ هذا الإصرارِ على أن نقصُرَ نظرتَنا إلى الإنسانِ على الجانبِ العقلاني فحسب من سلوكِه وتصرُّفاتِه؟! ولماذا نُقصِي جانباً كلَّ ما يتعارضُ مع نظرتِنا “الاجتزائية” هذه إلى الإنسان؟!
إنَّ تدبُّرَ هذه الأسئلةِ كفيلٌ بجعلِنا مُلزَمينَ بأن نُقِرَّ بأنَّ هذا “الشيءَ الآخرَ” لابد من أن يؤخذَ بنظرِ الاعتبارِ هو الآخر، وذلك حتى يتأتى لنا أن تكونَ نظرتُنا إلى الإنسانِ أقربَ إلى هذا الذي هو عليه حقاً وحقيقة. ونظرةٌ كهذه إلى الإنسان هي كلُّ ما يقتضيهِ الأمرُ منا حتى يكونَ بمقدورِنا أن نتبيَّنَ بعضاً من جوانبِ العلةِ من وراءِ قولِ اللهِ تعالى في الإنسانِ: (وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا) (من 28 النساء). فالإنسانُ مخلوقٌ ضعيفٌ طالما كان لنفسِهِ من الجبروتِ والقوة ما لعقلِه، وبما يجعلُ منه كياناً تتصارعُ على الاستئثارِ به والاستحواذِ عليه نفسٌ جبارةٌ وعقلٌ جبار!
على أنَّ الإنسانَ وإن كانَ قد خُلِقَ ضعيفاً، فإن بإمكانِه أن يستعيدَ ما كان عليه يومَ خلقَهُ اللهُ تعالى أولَ مرة “إنساناً في أحسنِ تقويم”، وذلك بأن يتَّبِعَ هَديَ اللهِ الذي هو السبيلُ الوحيدُ القادرُ على أن ينتشلَه من ضَعفِهِ الخَلقي ليُصبِحَ بعدها المخلوقَ الكاملَ الأسمى.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s