
يقولُ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ تعالى عليه وسلَّم: “مَن غَشَّ فليس منا”. ولو أنَّ كثيراً ممَّن يحسبون أنَّهم مؤمنون باللهِ حقَّ الإيمان قدَروا حديث رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ تعالى عليه وسلَّم هذا حقَّ قدرِه، لَما استمرَأوا الغِشَّ من بعدِما تبيَّنَ لهم ما سيؤولُ إليهِ أمرُ كلِّ مَن اتَّخذَ الغشَّ وسيلتَهُ للكسبِ والتربُّح من خلودٍ في النارِ أبدَ الآبدين. فالغشُّ جُرمٌ عند اللهِ عظيم، وإلا لَما أبادَ اللهُ قَومَ سيدِنا شُعيب بِغشِّهم الناسَ بخساً لأشيائِهم وتخسيرا: (أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ. وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ. وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) (181 -183 الشعراء).
فالمُخسِرونَ إذاً هُم أولئك الذين وصفَهم القرآنُ العظيم في سورةِ الرحمن بأنَّهم “يُخسِرونَ الميزان”: (أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ. وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ) (8- 9 الرحمن). فـ “الطغيانُ في الميزان” ضربٌ من الغشِّ كما “التخسيرُ فيه”. فيكفي الذين يظنونَ واهمين أنَّ الغشَّ ذنبٌ لا يُدخِلُ صاحبَه النارَ ولا يُخلِّدُه فيها، أن يتدبَّروا قَولَ اللهِ تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا) (10 النساء). فالغشُّ ضروبٌ وأصنافٌ وألوان، فمنها أكلُ أموالِ اليتامى ظُلماً، ومنها أيضاً الطغيانُ والتخسيرُ في الميزان.