
حفظت لنا سورةُ الشعراء جانباً من الحوارِ الذي دارَ بين سيدِنا موسى وفرعونَ الطاغية الذي هدَّده بأن يُلقِيَ به في السجنِ إن اتَّخذَ إلهاً غيرَه: (قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ. قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ. قَالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ. فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ. وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِين) (29- 33 الشعراء). فلماذا قدَّمَ سيدُنا موسى “آيةَ العصا” على “آيةِ اليَد”؟
يُعينُ على الإجابةِ على هذا السؤالِ أن نستذكرَ ونتدبَّرَ الآياتِ الكريمةَ التالية: (وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى. قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى. قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى. فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى. قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى. وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى. لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى) (17- 23 طه). فاللهُ تعالى هو مَن أرى سيدَنا موسى “آيةَ العصا” قبل أن يُرِيَهُ “آيةَ اليَد”. وفي هذا ما فيهِ من تذكيرٍ بأنَّ آياتِ اللهِ ليست كلُّها سَواء، وأنَّها تتفاضلُ فيما بينَها أيُّها أكبرُ من الأخرى: (وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا) (من 48 الزخرف).