تجانسُ الأحوال… لقاءُ موسى والعبدِ الصالحِ مِثالاً

يتفاوتُ الناسُ فيما بينهم عند اللهِ تفاضلاً وتمايزاً، وذلك وفقاً لِما هُم عليهِ من حالٍ معه تعالى. فأكرمُ الناسِ عند اللهِ تعالى أتقاهم له، وذلك كما جاءتنا به سورةُ الحُجُرات: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ). وحالُ العبدِ مع اللهِ تعالى بعدُ هو الذي له أن يُحدِّدَ المسارَ الذي ستتَّخِذُهُ علاقتُه بالآخرين تجاذباً وتنافراً، بُغضاً ومحبة، تلاقياً وافتراقاً. وهذا الحالُ هو الذي يُوثِّقُ أواصرَ وعُرى الصُّحبةِ، وهو الذي يُفرِّقُ بينَ مَن كانوا قبلَها خُلاناً أصحابا.
فسيدُنا موسى، على سبيلِ المثال، قد جعلَهُ حالُهُ مع اللهِ تعالى أهلاً لأن يدفعَ به قدرُهُ صوبَ “الالتقاءِ” بـ “العبدِ الصالح” لقاءً قدَرياً جمعَ بينهما وفقاً لما سبقَ وأن قضَت به إرادةُ اللهِ تعالى التي وافقَها حالُ كلٍّ منهما. فحالُ سيدِنا موسى مع اللهِ “يسَّرَ” له أن يكونَ مؤهلاً لتلقِّي أمرِ اللهِ له بأن يتوجَّهَ الوجهةَ التي حدَّدها له اللهُ خطواتٍ ومساراً للقاءِ “العبدِ الصالح”، والذي التقاهُ في عينِ البقعةِ التي حدَّدها له اللهُ تعالى وأعلمَه بها. وحالُ سيدِنا موسى مع اللهِ بعدُ، والذي جعلَه في “تجانُسٍ مُبين” مع حالِ “العبدِ الصالحِ” مع اللهِ تعالى، بإمكانِنا أن نتبيَّنَه بتذكُّرِ ما كان من أمرِه عليه السلام مع مَن استغاثَه من شيعتِه على الذي هو عدوٌ لهما (وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ) (من 15 القصَص)، وأيضاً بتذكُّرِ ما كان منه عليه السلام مع المرأتَين اللتين أنجدَهما بأن سقى لهما: (وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ. فَسَقَى لَهُمَا) (23- من 24 القصَص).
فسيدُنا موسى كان مُسارعاً لنجدةِ الملهوفِ ونُصرةِ الضعيفِ والمظلوم. وهذا حالٌ مع اللهِ تعالى يُذكِّرنا بما كان عليهِ “العبدُ الصالحُ” من استعدادٍ “طَبعي” لتقبُّلِ أمرِ اللهِ تعالى له بأن يفعلَ ما فعلَه مع أصحابِ السفينةِ المساكينِ ومع والدَي الغلام الصالحَين ومع اليتيمَين.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s