الإنسانُ مخلوقٌ عبقري. فعبقريةُ الإنسانِ ليس بالمقدورِ تحديدُ مدَياتِها ومجالاتِها. وعبقريةُ الإنسانِ بعدُ هي واحدةٌ من مزايا الإنسانِ وخصائصِه التي يقفُ العلمُ متحيراً حيالها، عاجزاً عن أن يفقهَ لها علةً أو سبباً! فإذا كان الإنسانُ قد نشأ وتطورَ في ظلِّ “الطبيعةِ وقوانينِها”، وذلك كما يقولُ العلم، فما حاجةُ الإنسانِ إذاً إلى أن يكونَ عبقرياً وكلُّ ما يقتضيهِ الأمرُ حتى يُكتبَ له البقاءُ حياً لا يحتاجُ غيرَ ما قُيِّضَ للحيوانِ أن يحظى به من العقل؟!
وعجزُ العلمِ المعاصرِ عن الإجابةِ على هذا السؤالِ هو مظهرٌ من مظاهرِ ما يتميَّزُ به العقلُ العلمي من “عبقريةٍ مُسيَّسة”! فالعقلُ العلمي لا يُلقي بكلِّ ثِقَلِهِ في مبحثٍ ما إلا إذا ما كان في ذلك ما يجتذبُ من أموالِ المستثمرين ما هو كفيلٌ بجعلِ أصحابِه مُترَفي الثراءِ! فما الذي يعودُ به على المؤسساتِ التي ترعى العلمَ تحديدُ علةِ عبقريةِ الإنسان؟! فإذا كان البحثُ العلمي لا قيامَ له إلا بما يتأتى لأصحابِ العقولِ العبقرية اجتذابَه من أموالِ المستثمرين، فإنَّ مشاريعَ بحثيةً، من مثلِ هذا المشروع، لن ترى النورَ أبداً طالما لم يكن لها أن تعودَ على أصحابِ رؤوسِ الأموال، والمنتفعين من القائمين على البحث العلمي، بأرباحٍ مضاعفةٍ أضعافاً كثيرة!
فهل يُعقَلُ، على سبيل المثال، أن يكونَ العلمُ المعاصرُ عاجزاً عن أن يُقدِّمَ حلولاً لأزمةِ النفاياتِ البلاستيكية التي تتهدَّدُ مستقبلَ البشرية؟! فعبقريةُ الإنسانِ كان بمقدورِها أن تأتيَنا بحلٍّ لهذه الأزمةِ منذ عقود خلَت، فلماذا إذاً لانزالُ نُعاني جراءَ هذه الأزمة حتى يومِنا هذا؟! ولماذا يُريدُنا العلمُ المعاصرُ أن نُصدِّقَ مزاعمَهُ ونحن نعلمُ أن ليس هناك من أبحاثٍ في هذا المجال، وأنَّ السببَ من وراءِ ذلك لا يعودُ إلى صعوبةِ تحقيقِ المطلبِ ونَيل المطلوب، ولكن لأنَّ العلمَ المعاصرَ ارتضى لنفسِهِ أن يُصبِحَ مُسيَّساً وإلى الحدِّ الذي جعلَه يُسلِمُ قِيادَه لمن يدفعُ أكثر! فلا بحثَ علمياً في أيِّ مجالٍ، وإن كان ذا صلةٍ بمستقبلِ الأرضِ والبشرية، طالما لم يكن له مردودٌ ماليٌّ تمتلئُ بسببِه جيوبُ المنتفعين من علماءَ ومستثمرين.