يُحدِّدُ السياقُ القرآني، الذي ترِدُ خِلالَه الكلمةُ القرآنيةُ، المعنى الذي تنطوي عليه هذه الكلمةُ، والذي لا يجوزُ لنا أن نتبدَّلَ غيرَه به، وذلك بذريعةٍ مفادُها أنَّ “القرآنَ حمَّالُ أوجُه”! ولنأخذ مثالاً على ذلك العبارةَ القرآنيةَ الكريمة “كِتَاب مُبِين”. فهذه العبارةُ الجليلة وردَت في القرآنِ العظيم بمَعنَيَين اثنين، أولُهما هو “القرآنُ العظيم”:
1- (طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ) (1 النمل).
2- (قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ) (من 15 المائدة).
3- (الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ) (1 يوسف).
4- (طسم. تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ) (1-2 الشعراء).
5- (حم. وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ) (1- 2 الزخرف).
وثاني هذين المعنَين هو “الكتابُ الذي يحفظُ اللهُ تعالى فيه نُّسَخَ وقائعِ الوجودِ وكلَّ ما يجري فيهِ من الأحداثِ صغيرِها وكبيرِها”. فاللهُ تعالى أنبأنا في الآيةِ الكريمة 29 من سورةِ الجاثية أنَّه يستنسخُ أعمالَ بَني آدم في “كتابٍ” وصفَهَ، في مواطنَ أخرى، بأنَّهُ “كتابٌ مبين”: (هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (29 الجاثية). واللهُ تعالى، إذ يستنسخُ أعمالَ بَني آدم في “كتابٍ مبين”، فإنَّه يفعلُ الشيءَ ذاتَه مع كلِّ ما يشتملُ عليه الوجودُ من مخلوقاتٍ وأحداث:
1- (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) (59 الأنعام).
2- (وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) (من 61 يونس).
3- (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِين) (6 هود).
4- (وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) (75 النمل).
5- (عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) (من 3 سورة سبأ).
يتبيَّنُ لنا، وبتدبُّرِ هذين المعنَيين اللذين تنطوي عليهما العبارةُ الكريمة “كتابٌ مبين”، أنَّ السياقَ القرآني هو الذي يتكفَّلُ بتحديدِ المعنى الذي ينبغي علينا أن نتبيَّنَه من هذه العبارةِ الكريمة.