
نقرأُ في سورةِ المائدة: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ. لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ. إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ. فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ. فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ) (27- 31 المائدة).
يتبيَّنُ لنا، وبتدبُّرِ هذه الآياتِ الكريمة، أنَّ ابنَ آدمَ لم يكن لِيعلَمَ ما الذي يتوجَّبُ عليه أن يقومَ به حِيالَ جثةِ أخيهِ الذي فرغَ للتو من قتلِه لولا أنَّ اللهَ تعالى أراهُ كيف يواريها الثرى وذلك بأن بعثَ له غراباً “يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ”. فالإنسانُ، بعقلِهِ الجبار، لم يتمكن من التوصُّلِ وحدَه إلى “حلٍّ” لهذه المعضلة!
وهذا مثالٌ يقودُنا تدبُّرُهُ إلى تصوُّرِ ما كانَ سيؤولُ إليه حالُ الإنسانِ على الأرض لولا أنَّ اللهَ تعالى أراهُ ما يتوجَّبُ عليهِ القيامُ به إذا ما تعذَّر عليه أن يجِدَ له مخرجاً! فكم من “المآثر” التي يحرصُ الإنسانُ على أن يعزوَها إلى نفسِه وهي في حقيقةِ الأمرِ ليست من نتاجِ عقلِه ولا من صنعِ يَده؟! فسبحانَ اللهِ الذي مرَّغَ كبرياءَ الإنسانِ في التراب، وذلك بأن جعلَهُ يتعلَّمُ على يدِ الحيوانِ ما لم يكن ليَعلمَهُ بعقلِه!