
نقرأُ في سورةِ الأعراف، وفي الآية الكريمة 37 منها، قَولَ اللهِ تعالى: (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ). فما هو هذا “الكتاب” الذي تشيرُ إليه هذه الآيةُ الكريمة؟
يُعينُ على الإجابةِ على هذا السؤال أن نتدبَّرَ الآيتَين الكريمتَين التاليتَين: (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ. وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) (55- 56 الروم). فـ “الكتابُ” الذي تُشيرُ إليه الآيةُ الكريمة 37 الأعراف أعلاه، هو “كتابُ الله” الذي تشير إليه الآيةُ الكريمة 56 الروم.
وبذلك يتبيَّنُ لنا أنَّ الأمرَ لا علاقةَ له على الإطلاق بما يظنُّهُ كثيرٌ منا من أنَّ هذا “الكتاب” يخصُّ العالَمَ الذي يعيشُ فيه الإنسانُ قبلَ موته! فهذا الكتابُ هو مفردةٌ من مفرداتِ عالَمِ ما بعد موتِ الإنسان وانقطاعِ عملِهِ وذلك بانقطاعِ سَعيِه. فالإنسانُ إذ يموتُ، فإنَّ اللهَ تعالى يتوفَّى نفسَه ويحفظُها في هذا العالم الذي لا نعرفُ عنه غيرَ ما جاءنا بشأنه القرآنُ العظيم من أنَّه العالمُ الذي يحفظُ اللهُ فيه الأنفسَ بعد موتِها حتى تقومَ الساعة: (وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) (56 الروم).