
يتوفى اللهُ تعالى أنفُسَ بَني آدمَ حينَ موتِها فيحفَظُها في كتابٍ سمَّاهُ في قرآنِه العظيم “كتابَ الله”: (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ. وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) (55- 56 الروم).
وأنفُسُ بَني آدمَ هذه، المحفوظةُ في “كتابِ الله” هذا، أعظمُ دليلٍ وأكبرُ برهان على أنَّ يومَ القيامةِ حَقٌّ لا مِراءَ فيه. فاللهُ تعالى ما حفِظَ هذه الأنفسَ إلا لِيُحييَها يومَ القيامةِ من جديد. فالإنسانُ لا يذوي ويتلاشى أدراجَ الرياح فلا يبقى منه بعدها غيرُ بعضٍ من ترابٍ وعظامٍ ورُفاة، وذلك كما يظنُّ سوادُ البشرِ الأعظمُ على مَرِّ العصورِ وكَرِّ الدهور:
1- (وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ) (24 الجاثية).
2- (وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا) (49 الإسراء).
3- (قَالُوا أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُون) (82 المؤمنون).
فاللهُ تعالى فنَّدَ حجةَ مُنكِري البعث ودَحضَها، وذلك بأن بيَّنَ لهم فسادَ وبطلانَ حجتهم هذه والتي مفادُها “أنَّ الإنسانَ إذ يموتُ فلن يبقى منه شيءٌ بعدَها غيرُ الترابِ والعظام”. وحجةُ اللهِ قد فصَّلها لنا قرآنُه العظيم في الآيتَين الكريمتَين 3- 4 من سورةُ ق: (أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ. قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ). فاللهُ تعالى وصفَ الكتابَ الذي يحفظُ فيه أنفسَ بَني آدمَ بعدَ موتِها بأنَّه “كتابٌ حفيظ”؛ كيف لا وهو كتابٌ لا يُغادرُ نفساً من أنفُسِ بَني آدمَ بعدَ موتِها إلا وحفظَها؟! فحِفظُ اللهِ تعالى لنفسِ الإنسانِ في هذا الكتابِ بعدَ موتِها مأجولٌ بمجيءِ يومِ البعث حيث سيبعثُ اللهُ تعالى هذه الأنفسَ للحساب.