
نقرأُ في سورةِ الزُّمَر، وفي الآية الكريمة 42 منها، قَولَ اللهِ تعالى: (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ). من بينِ ما يتبيَّنُ لنا بتدبُّرِ هذه الآيةِ الكريمة أنَّ اللهَ تعالى هو مَن “يتوفَّى” الأنفسَ بعدَ موتِها، وأنَّ الموتَ يسبقُ توفِّيَ اللهِ تعالى للنفسِ ولا يتقدَّمُ عليه. فالنفسُ تموتُ إذاً فيتوفاها اللهُ تعالى وليس العكس! فاللهُ تعالى لا يتوفَّى النفسَ فتموت، وذلك كما يظنُّ كثيرٌ منا! وتوفِّي اللهِ تعالى لنفسِ الإنسان، من بعدِ موتِه، هو لا أكثرَ من “تسلُّمِ” اللهِ تعالى لها إذ يُمسِكُها ولا يُرسِلُها.
وتسلُّمُ اللهِ تعالى نفسَ الإنسانِ، بعدَ موتِه، قد أشارَ إليهِ القرآنُ العظيم في مواطنَ أخرى، وذلك بدلالةٍ من كائناتٍ أوكلَ إليها أمرَ التسلُّمِ هذا. فمَلَكُ الموتِ هو الذي يتوفَّى الإنسانَ بعدَ موتِهِ بإذن اللهِ تعالى: (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُون) (11 السجدة). فاللهُ تعالى وكَّلَ بنا ملَكَ الموتِ الذي يحضرُ الإنسانَ حينَ موتِهِ. ولذلك قيلَ عن الإنسانِ المُقبِلِ على الموتِ بأنَّهُ “يُحتضَّر”. أي أنَّ ملَكَ الموتِ ليس هو مَن يُميتُ الإنسانَ كما يظنُّ كثيرٌ منا! فكلُّ ما قد وكِّلَ بهِ ملَكُ الموتِ من أمرِنا هو مجردُ هذا “التوفِّي” أي “تسلُّمِ النفسِ حينَ موتِها بإذنِ اللهِ تعالى”. ولقد بيَّنَ لنا القرآنُ العظيم أنَّ من بينِ هذه الكائناتِ التي وُكِّلَت بنا مَن وصفَهم اللهُ تعالى بأنَّهم “رسُلُه” التي تتوفى الناسَ حين موتِهم: (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ) (من 61 الأنعام).
فاللهُ تعالى، إذ وكَّلَ بنا ملَكَ الموتِ ووكَّلَ بنا رُسُلَه، فإنَّه إنَّما هو المتوفي في حقيقةِ الأمر:
1- (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ) (من 70 النحل).
2- (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ). (104 يونُس).