
نقرأُ في سورةِ طه نبأَ “النارِ” التي رآها سيدُنا موسى فظنَّ أنَّها نارٌ كغيرِها من النيرانِ التي سبقَ له وأن رآها من قبل: (وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى. إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى. فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى. إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِي الْمُقَدَّسِ طُوًى. وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى) (9- 13 طه). فما هو أصلُ هذه النارِ؟ وما هي حقيقتُها؟
يُعينُ على تبيُّنِ الإجابةِ على هذين السؤالين أن نستذكرَ ما وردَ بشأنِ هذه النار في سورتَي النمل والقَصَص:
1- (إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ. فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (7- 9 النمل).
2- (َفلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ. فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِي الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (29- 30 القَصَص).
فالنارُ التي رآها سيدُنا موسى لا يمكنُ بحالٍ أن تكونَ كغيرِها من النيرانِ التي نعرف، وإلا لما قالَ اللهُ تعالى فيها: “فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ”، “فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِي الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ”. فـ “النارُ” التي رآها سيدُنا موسى إذاً كانت “ناراً مباركة”. كما أنَّ اللهَ تعالى قد باركَ المكانَ الذي كان حولَ هذه “النار”. وهاتانِ حقيقتانِ لابد وأن ينتهِيَ بنا تدبُّرُهما إلى الإقرارِ بأنَّ أصلَ هذه “النارِ”، وحقيقتَها، لا يمكنُ أن يكونَ ما نعرفُ من أصلٍ للنار! فـ “نارُ” سيدِنا موسى إذاً قد صنعَها اللهُ “بلا أسبابٍ” صُنعاً من لدنه تعالى.