
“الضلالُ المُبين” هو حيودٌ بيِّنٌ عن جادةِ الصواب، وانحرافٌ لا تُخطؤهُ العينُ عن سَويِّ الصِّراط. وإذا كان اللهُ تعالى في قرآنِه العظيم قد فصَّلَ الأمرَ فبيَّنَ كلَّ ما من شأنِهِ أن يجعلَ فرداً ما يستحقُّ أن يوصَفَ بأنَّه “في ضلالٍ مبين”، فإنَّ مَن هُم “في ضلالٍ مبين”، وفقاً لهذا البيانِ والتفصيل المبين، لَيظنون واهمين أنَّهم أهلٌ لأن يُطلقوا على مَن يشاؤون من مناوئيهم وأعدائهم أنَّهم هم الذين “في ضلالٍ مبين”!!! وهذا ما بوسعِنا أن نتبيَّنَه بتدبُّرِ الآياتِ الكريمةِ التالية:
1- (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) (47 يس).
2- (لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ. قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) (59- 60 الأعراف).
3- (إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِين) (8 يوسف).
4- (وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) (30 يوسف).
وإذا كانَ الذين هم حقاً “في ضلالٍ مبين” ليس بين أيديهم أيُّ دليلٍ أو برهان على أنَّ مَن وصفوهم بأنَّهم “في ضلالٍ مبين” هُم حقاً كذلك، فإنَّ اللهَ تعالى، بالمقابل، قد أقامَ الحجةَ بالغةً قاطعةً دامغة على مَن قالَ فيهم إنَّهم “في ضلالٍ مبين” فلا قدرةَ لأحدٍ منهم بعدها على أن ينفيَ عن نفسِهِ هذا الوصفَ-الحجة:
1- (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) (74 آل عِمران).
2- (قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) (من 85 القَصَص).
3- (وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ. أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ. إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) (22- 24 يس).
4- (قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) (29 المُلك).
5- (أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) (22 الزُّمَر).
6- (هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) (11 لُقمان).
7- (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) (24 سورة سبأ).
8- (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِين) (164 آل عمران).
9- (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) (2 الجمعة).
10- (وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَولِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) (32 الأحقاف).
وإذا كانت هذه الحياةُ الدنيا قد اختلطَ حابلُها بنابِلِها، فأصبحَ من العسيرِ على المرءِ أن يتبيَّنَ أولئك الذين هم “في ضلالٍ مبين” فيَميزَهم مِن الذين اختصَّهم اللهُ تعالى برحمتِه فهَداهم صراطَه المستقيم، فإنَّ الآخرةَ قد جعلَها اللهُ تعالى فرقاناً بين الحقِّ وأهلِه والباطل وأهلِه، وبما يجعلُ أهلَ الباطلِ أنفسَهم يتبيَّنون بأنفسِهم ما كانوا عليه في حياتِهم الدنيا من ضلالٍ مبين انتهى بهم بعدها إلى الخلودِ في نارِ جهنم أبدَ الآبدين “في ضلالٍ مبين”: (فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ. وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ. قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ. تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) (94- 97 الشعراء).