لماذا وصفَ اللهُ تعالى قرآنَهُ العظيم بأنَّهُ “كِتَابٌ مُصَدِّقٌ”؟

نقرأُ في سورةِ الأحقاف، وفي الآيةِ الكريمة 12 منها، قَولَ اللهِ تعالى: (وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ) (12 الأحقاف). فلماذا وصفَ اللهُ تعالى قرآنَهُ العظيم بأنَّه “كتابٌ مصدِّق”؟
يُعينُ على الإجابةِ على هذا السؤال أن نستذكرَ قَولَ اللهِ تعالى (بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ) (37 الصافات). فرسولُ اللهِ صلَّى اللهُ تعالى عليه وسلَّم جاءَ بالحقِّ المبين من اللهِ الذي أنزلَ عليه القرآنَ، وذلك كما سبقَ وأن أنزلَ التوراةَ والإنجيلَ من قبل. ورسولُ اللهِ صلَّى اللهُ تعالى عليه وسلَّم، بهذا القرآنِ العظيم، قد “صدَّقَ” مَن سبقَه من المُرسَلين. فالذي قِيلَ لِمَن سبقَ رسولَ اللهِ تعالى من المُرسَلين هو عينُ الذي قِيلَ له صلَّى اللهُ تعالى عليه وسلَّم في هذا القرآنِ العظيم: (مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ) (43 فُصِّلَت).
ولقد شدَّدَ اللهُ تعالى في قرآنِهِ العظيم على هذا “التصديق” تشديداً بوسعِنا أن نتبيَّنَهُ بتدبُّرِ الآياتِ الكريمةِ التالية:
1- (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ) (من 48 المائدة).
2- (وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ) (من 92 الأنعام).
3- (نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ) (من 3 آل عمران).
4- (وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ) (من 31 فاطر).
5- (قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ) (30 الأحقاف).
6- (قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ) (من 97 البقرة).
ولقد توجَّهَ اللهُ تعالى في قرآنِه العظيم إلى مُعاصري رسولِه الكريم صلَّى اللهُ تعالى عليه وسلَّم من أهلِ الكتاب بخطابٍ يذكِّرُهم بأنَّ ما جاءهم به قرآنُه هذا هو عينُ ما يجدونَه بين أيديهم من كتابٍ سبقَ وأن أنزلَه على سيدِنا عيسى وعلى سيدِنا موسى من قبل:
1- (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ…) (من 47 النساء).
2- (وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ) (من 41 البقرة).
3- (وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ…) (من 89 البقرة).
4- (وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ) (من 91 البقرة).
5- (وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ…) (من 101 البقرة).
وهذا الذي كان لقرآنِ اللهِ العظيم، من “تصديقٍ” لما سبقَه من توراةٍ وإنجيل، هو عينُ ما بوسعِنا أن نتبيَّنَه بتدبُّرِ ما جاءنا به هذا القرآنُ من حقيقةٍ مفادُها أنَّ الإنجيلَ الذي أنزلَهُ اللهُ تعالى على سيدِنا عيسى كان بدورِهِ مُصدِّقاً للتوراةِ التي سبقَ وأن أنزلها اللهُ تعالى على سيدِنا موسى من قبل:
1- (وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ) (من 46 المائدة).
2- (وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ (من 50 آل عمران).
3- (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ) (من 6 الصف).
فسيدُنا محمد صلَّى اللهُ تعالى عليه وسلَّم إذاً لم يكُن بِدعاً من الرسُلِ الذين “يُصدِّقُ” بعضُهم بعضاً، وذلك على قدرِ تعلُّقِ الأمرِ بما أوحى اللهُ تعالى به إلى كلٍّ منهم. فما أوحاهُ اللهُ تعالى إلى سيدِنا يَحيى، على سبيلِ المثال، كان مصدِّقاً لما بينَ يدَيه من التوراة والإنجيل: (أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ) (من 39 آل عمران).
فأنبياءُ اللهِ المُرسَلون ما كان لهم أن يَحيدوا عن ميثاقِهم مع اللهِ تعالى؛ هذا الميثاقُ الذي توجَّبَ عليهم بمقتضاهُ أن يؤمنوا بكلِّ رسولٍ يأتيهم بما هو “مصدِّقٌ” لما بين أيديهم من الكتاب: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ) (81 آل عمران).

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s