
نقرأُ في سورةِ الأعراف، وفي الآية الكريمة 143 منها، قَولَ اللهِ تعالى: (وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِين). فما هو معنى “فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ”؟
يُعينُ على الإجابةِ على هذا السؤال أن نتدبَّرَ قَولَ اللهِ تعالى في المواطنِ القرآنيةِ التالية:
1- (وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى) (2 الليل).
2- (وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا. وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا. وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا) (1- 3 الشمس).
3- (يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ) (من 187 الأعراف).
فلا يزالُ النهارُ يشتدُّ قوةً ويزدادُ سطوعاً وانتشاراً حتى يبلغَ مداهُ الأقصى ظهوراً وإشراقاً. والنهارُ هو الذي يُجلِّي الشمسَ فيُظهِرُها بأقصى تجلٍّ لها سطوعاً وإشراقاً. والساعةُ لا يُجلِّيها لوقتِ حدوثِها، فيُظهِرُها على الزمنِ فتسودُهُ تسلطاً وظهوراً، إلا الله تعالى.
فتجلِّي الشيء هو ظهورُهُ الظهورَ الذي لا يملِكُ الناظرُ إليهِ غيرَ أن يتبيَّنَهُ وبـ “الهيئةِ المثلى” التي أذِنَ اللهُ تعالى لهُ أن يظهرَ بها.
واللهُ تعالى إذ تجلَّى للجبلِ فإنَّه إنما قد “ظَهَرَ” له ظهوراً لم يملك الجبلُ حِيالَه غيرَ أن يندكَّ دَكاً وينسحقَ سحقاً. فاللهُ تعالى لم يجعل هذه الحياةَ الدنيا محلاً لتجلِّيهِ وإلا لزالَ الوجودُ كما زالَ الجبل. فتجلِّي اللهِ قد أجَّلَه الله حتى يجيءَ يومُ القيامةِ الذي سيتجلَّى اللهُ فيه “التجلِيَ الأعظم” من بعدِ أن يبدِّلَ اللهُ الوجودَ غيرَ الوجودِ الذي نعرف (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ) (48 إبراهيم).