
ما هو هذا “الطائرُ” الذي ألزمَ اللهُ تعالى كلَّ إنسانٍ به في عُنُقِه، والذي يُشيرُ إليه قولُهُ تعالى: (وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ) (من 13 الإسراء)؟
يُعينُ على تبيُّنِ الأمرِ أن نستذكرَ الآياتِ الكريمةَ التالية:
1- (فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) (131 الأعراف).
2- (قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ) (47 النمل).
3- (قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ. قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ) (18- 19 يس).
فقومُ كلِّ نبيٍّ من أنبياءِ اللهِ المُرسَلين كانوا يعزونَ ما حاقَ بهم من العذابِ إلى نبيِّهم الذي “تطيَّروا” به ظناً منهم وتوهُّماً بأنَّه هو مَن جرَّ عليهم هذا العذاب، وذلك لأنَّهُ خالفَ “شريعةَ الآباء والأجداد” مخالفةً جرَّت عليهِ، وبالتالي عليهم، “غضبَ الآلهة”!
ولقد ذكَّرَ أنبياءُ اللهِ المرسَلون قومَهم بأنَّهم هم الملومون على هذا العذاب الذي ما أنزلَهُ اللهُ تعالى بساحتِهم إلا جزاءً وفاقاً لتعدِّيهم حدودَه ولتجاسُرِهم على دينِه القويم.
فاللهُ تعالى قد ألزمَ كلَّ إنسانٍ طائرَه في عنُقِه إذ جعلَ عملَه هو الذي يجتذبُ المثوبةَ أو العقوبة. وعملُ الإنسانِ هذا يستنسخُهُ اللهُ تعالى في كتابٍ سيجدُهُ الإنسانُ حاضراً أمامَهُ يومَ القيامة حينَ يأمرُهُ اللهُ تعالى بأن يقرأَ صفحاتِهِ التي سوَّدتها أعمالُهُ في حياتِه الدنيا: (وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا. اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا) (13- 14 الإسراء).