
ما هو “الفؤادُ” في القرآنِ العظيم؟ وهل هو القلبُ أم هو عضوٌّ آخرُ من أعضاءِ جسمِ الإنسان؟ وهل هو العقلُ أم الدماغ؟ وهل “الفؤادُ” و”القلبُ” و”العقلُ” تسمياتٌ متعددةٌ لمُسمىً واحد؟
يُعينُ على الإجابةِ على هذه الأسئلةِ أن نستذكرَ الحقيقةَ القرآنيةَ التي مفادُها أنَّ اللهَ تعالى أنزلَ قرآنَه العظيم بلسانٍ عربيٍّ مُبين ليس له بالضرورةِ أن يتماهى مع ما آلَ إليهِ أمرُ اللسانِ العربي من بعدِ انتشارِ الإسلامِ في الربوعِ والأصقاع ودخولِ الناسِ فيه أفواجاً من كلِّ لونٍ وعِرقٍ ودين. فوفقاً للسانِ القرآنِ العربي المبين، فإنِّ للكلمةِ القرآنيةِ أن تجيءَ بمعانٍ تتعدَّدُ بتعدُّدِ السياقاتِ القرآنيةِ التي ترِدُ خلالَها. كما أنَّ “للمعنى القرآني” أن ُتعبِّرَ عنه أكثرُ من كلمةٍ قرآنيةٍ واحدة. وهذا إن خالفَ عن أحكامِ وقواعدِ اللسانِ الذي صاغت عربيَّتَه “سُننُ التمازجِ والتخالطِ” بين الشعوبِ والقبائلِ التي دخلت في دينِ اللهِ بعد ظهورِ الإسلامِ وانتشارِه، فإنَّه ليتَّفِقُ مع الأحكامِ والقواعدِ التي نزلَ بها لسانُ القرآنِ العربي المبين.
فـ “الفؤادُ”، وفقاً للسانِ القرآنِ العربي المبين هذا، هو “القلبُ” ولا شيءَ آخرَ سواه. وبرهانُ ذلك هو ما بوسعِنا أن نتبيَّنَه بتدبُّرِ ما جاءتنا به سورةُ الَقصص في الآية الكريمة 10 منها: (وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ). ففؤادُ أمِّ موسى هو قلبُها الذي ربطَ اللهُ تعالى عليه فثبَّتَها وسكَّنَ مخاوفَها وأزالَ بذلك ما كان يعصفُ بها جراءَ هجماتِ الظنونِ والأوهام. وأن يكونَ “الفؤادُ” هو “القلبَ” لَيُذكِّرُ بما بوسعِنا أن نتبيَّنَه بتدبُّرِ الآية الكريمة 14 من سورةِ العنكبوت: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ). فـ “السَّنةُ”، وفقاً للسانِ القرآنِ العربيِّ المبين، هي “العام”.
وهكذا، فإنَّ بوسعِنا الآن، ومن بعدِ ما تبيَّنَ لنا أنَّ “الفؤادَ” هو “القلبُ”، أن نتدبَّرَ المواطنَ التي وردت فيها كلمةُ “فؤاد” فنقرأَها بدلالةٍ من كونِ الفؤادِ هو القلب لنخلُصَ بعدها إلى ما يؤكِّدُ لنا ألا موجبَ هنالك لافتراضِ وجودِ عضوين في جسمِ الإنسان أحدهما هو القلبُ والآخرُ هو الفؤاد:
1- (فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى. مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى) (10- 11 النجم).
2- (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) (36 الإسراء).
3- (وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ) (من 120 هود).
4- (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ) (من 32 الفرقان).
فـ “الفؤادُ” في القرآنِ هو “القلبُ”، وكلٌّ منهما هو “العقلُ”، وذلك على قدرِ تعلُّقِ الأمرِ بـ “التلازمِ” القائمِ بالضرورة بين منبعِ الإحساسِ والتفكير ومُنتهاهما. وهذا ما بوسعِنا أن نتبيَّنَه بتدبُّرِ الآيةِ الكريمة 46 من سورةِ الحج: (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ).
ويؤكِّدُ هذا التلازمَ القائمَ بالضرورةِ بين الفؤادِ والقلبِ والعقل ما بوسعِنا أن نتبيَّنَه بتدبُّرِ الآياتِ الكريمةِ التالية:
1- (وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ) (من 26 الأحقاف).
2- (وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ) (113 الأنعام).
3- (رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ) (من 37 إبراهيم).
4- (وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ. نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ. الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ) (5- 7 الهُمَزة).
فالفؤادُ إذاً، إذ هو القلبُ والعقلُ وفقاً للسانِ القرآنِ العربي المبين، هو نعمةٌ أمرَنا اللهُ تعالى أن نشكرَه عليها، وذلك كما ينبغي علينا أن نشكرَه على نعمَتَي السمعِ والبصر:
1- (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ) (78 المؤمنون).
2- (ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ) (9 السجدة).
3- (قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ) (23 المُلك).
4- (وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون) (من 78 النحل).