
يزعمُ كثيرٌ من الفلاسفةِ والمفكرين، من القُدامى والمُحدَثين، أنَّ هناك صراعاً كَونياً بين معسكرَين اثنين هما معسكرُ الخير ومعسكرُ الشر. فهل يستقيمُ هذا الزعمُ مع ما جاءنا به قرآنُ اللهِ العظيم؟
يتكفَّلُ بالإجابةِ على هذا السؤال أن نستذكرَ الحقيقةَ القرآنيةَ التي مفادُها أنَّ اللهَ تعالى خلقَ الوجودَ خلقاً لم يجعل بمقتضاهُ لأحدٍ من خَلقِهِ ما يُعينُه على أن تكونَ له “الخِيَرَةُ من أمرِهِ” ليفعلَ في الوجودِ ما يشاءُ من دونِ سابقِ إذنٍ من اللهِ وأذان! فاللهُ تعالى هو الذي أجازَ إبليسَ بأن يُغوِيَ من بَني آدمَ مَن استطاعَ أن يُضِلَّهم بصوتِهِ وخَيلِه ورَجِلِه: (قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا. وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَولَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا) (63- 64 الإسراء). فالشيطانُ ما كان له أن يُغوِيَ آدمَ وبَنيه هكذا ومن دونِ أذانٍ من اللهِ وإجازة! فكيف يكونُ إذاً للشيطانِ تواجدٌ في الكونِ يُمكِّنُه من أن يترأسَ معسكراً للشرِّ ليُحاربَ به معسكرَ الخيرِ الذي يتزعَّمُه اللهُ، وذلك كما يزعمُ أولئك الذين خرجوا على الناسِ بمقولةٍ مفادُها “إنَّ التوازنَ الكوني يقتضي وجوبَ أن تكونَ هناك قوتانِ متضادتان متكافئتانِ وذلك حتى لا يجنحَ الكونُ صوبَ وجهةٍ بِعَينِها”!
إنَّ كلَّ مَن يقرأُ القرآنَ العظيم قراءةً متدبِّرةً لآياتِه الكريمة لن يكونَ بالعسيرِ عليه أن يتبيَّنَ أنَّ صراعاً كَونياً كهذا الذي يقولُ به هؤلاءِ الفلاسفةُ والمفكرون لا يمكنُ أن يكونَ له وجودٌ في كَونٍ حاكمُهُ الأوحَدُ هو اللهُ تعالى.