“الوادي المقدَّسُ” و”الأرضُ المقدسةُ” في القرآنِ العظيم

وردَ ذِكرُ “الأرضِ المقدسة” في القرآنِ العظيم مرةً واحدة، وذلك في الموطِن التالي: (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ. يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِين) (20- 21 المائدة).
ووردَ ذِكرُ “الوادي المقدس” في القرآنِ العظيم مرتين اثنتَين، وذلك في المَوطنَين التالييَن: (فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى. إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِي الْمُقَدَّسِ طُوًى) (11- 12 طه)، (هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى. إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِي الْمُقَدَّسِ طُوًى) (15- 16 النازعات).
فلماذا سمَّى اللهُ تعالى الواديَ الذي اجتذبَ إليهِ سيدَنا موسى، بالنارِ التي قال فيها (فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)، بـ “الوادي المقدس”؟ ولماذا سمَّى اللهُ تعالى الأرضَ التي أمرَ سيدَنا موسى أن يأمرَ قومَه بأن يدخلوها بـ “الأرضِ المقدسة”؟
يُعينُ على الإجابةِ على هذين السؤالَين أن نتدبَّرَ الآياتِ الكريمةَ التالية:
1- (قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ) (102 النحل).
2- (إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ) (من 110 المائدة).
3- (وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ) (من 253 البقرة).
4- (وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ) (من 87 البقرة).
فـ “روحُ القدُس” هو سيدُنا جبريل الذي أشارت إليه الآيةُ الكريمة 17 من سورةِ مريم بـ “رُوحَنَا”: (فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا). فسيدُنا جبريل عليه السلام هو “روحُ الله”، أي الروحُ الذي يرسِلُه اللهُ تعالى ليُدبِّرَ ما يشاءُ من أمورِ هذه الحياةِ الدنيا بإذنِه: (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) (5 السجدة).
ولذلك سمَّى اللهُ تعالى سيدَنا جبريل بـ “روح القُدُس”. و”القُدُس” هو اسمٌ من أسماءِ اللهِ تعالى وردَ ذكرُه في القرآنِ العظيم بصيغةِ “القدوس”: (يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) (1 الجمعة)، (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُون) (23 الحشر).
فـ “روحُ القُدُس” إذاً هو “روحُ القدوس” وهو بالتالي “روحُ الله”. ولقد ميَّزَ اللهُ تعالى سيدَنا جبريل عن باقي الملائكةِ كلِّهم جميعاً فسمَّاهُ بهذه التسميةِ المباركة، وذلك للتدليلِ على ما اختصَّهُ به من أذانٍ منه تعالى بأن يكونَ أقربَ ملائكتِهِ إليه وأدناهم من عرشِه.
يتبيَّنُ لنا، وبتدبُّرِ ما تقدَّم، أنَّ كلاً من “الوادي المقدس” و”الأرضِ المقدسة” قد استحقَّ هذه التسميةَ المباركة، وذلك لما حظيَ به من عظيمِ تجلٍّ للهِ تعالى فيه جعلَه يكتسبُ خصائصَ “استثنائيةً فريدة” لم يكن ليحظى بها لولا هذا التجلِّي الإلهي الذي اختصَّه اللهُ تعالى به.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s