
نقرأُ في سورةِ الحجر، وفي الآياتِ الكريمة 51- 53 منها، قَولَ اللهِ تعالى: (وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ. إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ. قَالُوا لَا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ). فما هو معنى “غلام عليم” في قول الله تعالى هذا؟
يُعينُ على تبيُّنِ هذا المعنى أن نتدبَّرَ الآيةَ الكريمةَ التالية: (يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا) (12 مريم). فاللهُ تعالى كان قد يسَّرَ لسيدِنا يَحيى أن “يأخذَ التوراةَ بقوة” فيُتقِنَ دراستَها ويحفظَ آياتِها عن ظهرِ قلبٍ وهو بعدُ صبيٌّ صغير. كما أنَّ اللهَ تعالى آتى سيدَنا يَحيى عليه السلام “الحُكمَ بالتوراة” صبياً، وذلك بأن يسَّرَ له أن يفقهَ المعانيَ التي تنطوي عليها آياتُها، فكان عليه السلام يحكمُ بين المتنازعِينَ فيها فيُبيِّنُ للقومِ ما أشكلَ عليهم فَهمُه منها وذلك لما فهَّمَهُ اللهُ تعالى منها.
وهذا الذي كان من أمرِ سيدِنا يَحيى مع التوراة، هو عينُ ما كان من أمرِ سيدِنا إسحاقَ مع الصحفِ التي أنزلَها اللهُ تعالى على أبيه إبراهيم، والتي عرَّفنا اللهُ تعالى بها في موطنَين قرآنيِّيَن كريمَين:
1- (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا. وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى. إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى. صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى) (16- 19 الأعلى).
2- (أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى. وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى) (36- 37 النجم).
فاللهُ تعالى كان قد آتى سيدَنا إسحاق “الْحُكْمَ صَبِيًّا” فيسَّرَ له بذلك أن يُحيطَ بالمعنى الذي احتوته هذه الصحفُ الجليلة. ولذلك أشارَ الملائكةُ إلى سيدِنا إسحاق بقولِهم “غُلَامٍ عَلِيمٍ”. فسيدُنا إسحاق كان عليماً بصحفِ أبيه إبراهيم وهو بعدُ غلامٌ صغير.