
نقرأُ في سورةِ الشورى، وفي الآيةِ الكريمة 29 منها، قولَ اللهِ تعالى (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ). وتدبُّرُ هذه الآيةِ الكريمة يكشفُ لنا النقابَ عن حقيقةٍ قرآنيةٍ مفادُها أنَّ اللهَ تعالى قد “بثَّ” في السمواتِ دواباً لا تختلفُ في شيءٍ على الإطلاق عن الدوابِ التي بثَّها في الأرض، وأنَّ بمقدورِ اللهِ تعالى، إن شاء، أن يجمعَ هذه المخلوقاتِ كلَّها جميعاً. وتدبُّرُ هذه الحقيقةِ القرآنيةِ، على ضوءٍ مما جاءنا به قرآنُ اللهِ العظيم في أكثرَ من موطن، كفيلٌ بأن يجعلَنا أكثرَ “قدرةً” على أن نقدِرَ اللهَ حقَّ قدرِه. فيكفينا أن نتدبَّرَ هذه الحقيقةَ القرآنيةَ على ضوءِ ما جاءتنا به سورةُ البقرة في آيتِها الكريمة 29 (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)، وما جاءتنا به سورةُ الطلاق في آيتِها الكريمة 12 (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ).
فاللهُ تعالى قد “بثَّ” إذاً دواباً في ستِ أرضين غيرَ أرضِنا هذه، وهو قادرٌ إن شاء على أن يجمعَ هذه الدوابَ كلَّها جميعاً في مكانٍ واحدٍ كأرضِنا هذه! ولنا أن نتصوَّرَ، وذلك على قدرِ ما تُمكِّنُنا منه عقولُنا المحدودةُ بما قُدِّرَ لها أن تُحيطَ به من علمٍ بهذا الوجود، ما يعنيهِ أن يكونَ بمقدورِ اللهِ تعالى أن “يجمعَ” دواباً بثَّها في سبعِ أرضين تفصلُ فيما بينها أبعادٌ لا قدرةَ لعقولِنا هذه على أن تقدِرَها حقَّ قدرِها.