
نقرأُ في سورةِ الحَج، وفي الآيةِ الكريمة 47 منها، قَولَ اللهِ تعالى (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ). فما هو معنى “وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ” في هذه الآيةِ الكريمة؟
يستعظمُ الإنسانُ قدرَ أشياءٍ ويستصغرُ قدرَ أشياءٍ أخرى! وما هذا ولا ذاك إلا برهانٌ على ما لعقلِ الإنسانِ من قدرةٍ فذةٍ على الابتعادِ عن التوصيفِ الحقيقي للأشياءِ والأحداثِ في هذا الوجود! فالإنسانُ يستبطئُ مجيءَ يومِ القيامة فيُبالغُ ويُغالي في الولوغِ في كلِّ ما من شأنِهِ أن يزجَّ بهِ في نارِ جهنمَ خالداً مُخلَّداً فيها أبدَ الآبدين، وذلك ظناً منه وتوهماً بأنَّ يومَ القيامةِ بعيدٌ غيرُ قريب: (إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا. ونَرَاهُ قَرِيبًا) (6- 7 المعارج).
ويبلغُ الإنسانُ مبلغاً من الاستصغارِ والتهوينِ ما يجعلُهُ يلحُّ في سؤالِهِ المُرسَلين “أيانَ يومُ الدين”: (قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ. الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ. يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ) (10-12 الذاريات)، (بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ. يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ) (5- 6 القيامة)، (وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (47 يونس).
ويُجيبُ اللهُ تعالى في قرآنِه العظيم الإنسانَ بما من شأنِه أن يُفنِّدَ ويُبدِّدَ ما هو كامنٌ من وراءِ أكمَةِ تساؤلاتِهِ هذه، وذلك بقولِهِ: (وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ). فالإنسانُ يظنُّ أنَّ ألفَ عامٍ من الزمانِ هي شيءٌ ذو بال، بينما يُبيِّنُ القرآنُ للإنسانِ أنَّ هذا الذي يحسبُهُ عظيماً هو عند اللهِ تعالى هَيِّنٌ يَسير! فمدةُ ألفِ عامٍ عند الإنسانِ هي عندَ اللهِ تعالى يومٌ واحدٌ فحسب.