
نقرأُ في سورةِ مريم، وفي الآياتِ الكريمةِ 1- 6 منها، قَولَ اللهِ تعالى: (كهيعص. ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا. إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا. قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا. وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا. يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا). فما هو معنى “وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي” في قولِ اللهِ تعالى هذا؟
يُعينُ على تبيُّنِ هذا المعنى أن نستذكرَ ما يتميَّزُ به لسانُ القرآنِ العربي المبين من تعالٍ على ما نفترضُه من أحكامٍ لغويةٍ وقواعدَ نتوهم أنَّ لها السيادةَ المطلقةَ عليه! فسيدُنا زكريا لم يكن يقصدُ بقولِه “وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي” بأنه كان “يخافُ المواليَ” كما يخافُ واحدُنا الأفاعيَ مثلاً، ولكنه كان يقصدُ أنَّه “يخافُ على الموالي” من بعدِه ألا يكونَ هناك مَن يرثُه ويرثُ مِن آلِ يعقوبَ ما يجعلُه يخافُ اللهَ تعالى ويتَّقيه فيهم. ولذلك أكملَ سيدُنا زكريا دعاءَه بقولِهِ “وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا”. فـ “الرَّضي” هو الذي يرضى من القومِ ما لا يرضى به سوادُهم الأعظم من غِلظةٍ في القَولِ وفجاجةٍ في السلوكِ لا يقوى على الاصطبارِ على أيٍّ منهما إلا مَن كان يخافُ اللهَ حقَّ مخافتِه ويتَّقيه حقَّ تُقاتِه.