
نقرأُ في سورةِ آل عمران، وفي الآية الكريمة 126 منها، قَولَ اللهِ تعالى (وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ). فاللهُ تعالى هو الذي يؤيِّدُ مَن يشاءُ بنصرِهِ الذي لا خذلانَ بعده (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُون) (160 آل عمران). فنصرُ اللهِ ليس لأحدٍ أن يحظى به إلا بالله. وهو نصرٌ لا قدرةَ لأحدٍ على أن يأتيَ به أبداً. ونصرُ اللهِ هو النصرُ الحق الذي يكفلُ لِمَن حظيَ به ألا يقهرَه مخلوقٌ على الإطلاق.
والعلمُ الحق هو كالنصر الحق: لا قدرةَ لمخلوقٍ على أن يجيءَ به أبداً. وهذا العلمُ هو الذي عرَّفنا به قرآنُ اللهِ العظيم حيثما وردَ ذِكرُهُ فيه. فالعلمُ الحَق هو الذي أنزلَه اللهُ تعالى على عِبادِه الذين اصطفى صُحُفاً وكتُباً سمَّى اللهُ تعالى مَن آتاهم إياه بـ “الذين أوتوا العلم”:
1- (قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا. وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا) (107- 108 الإسراء).
2- (وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ) (من 54 الحج).
3- (بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُون) (49 العنكبوت).
فهذا العلمُ ليس بحوزةِ أحدٍ غيرَ الله، وذلك قبل أن يُنزِّلَه على مَن يشاءُ من عبادِه. أما “العلم” الذي قُيِّضَ للإنسانِ أن يُحيطَ به بعقلِه، فهو ليس العلمُ المقصودُ بعبارة “وما العلمُ إلا من عندِ الله”. فالعلمُ الذي هو من عندِ الله هو ما احتوته كتبُ اللهِ التي أنزلَها على أنبيائِهِ المُرسَلين. أما غيرُ ذلك من “علم” فهو ليس من عندِ الله طالما لم يُنزِّله اللهُ تعالى من عندِه على مَن قيَّضَ له أن يُحيطَ به بعقلِه. وهذا علمٌ يُكتسَبُ بالأسبابِ التي جعلَها اللهُ تعالى من بينِ جملةِ القوانينِ التي لولاها ما قامت لهذه الدنيا قائمة.