
مَن هُم “الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ” الواردُ ذِكرُهُم في الآيةِ الكريمة 54 من سورةِ الحج: (وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ)؟
يظنُّ كثيرٌ منا أنَّ “الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ” هُم العُلماءُ الذين قُيِّضَ لهم أن يُحيطوا بشيءٍ من العلم الذي تمايزوا به عن غيرِهم ممَّن لم يتأتَّ لهم ذلك! وهذا ظنٌّ يُفنِّدُهُ تدبُّرُ الآياتِ الكريمةِ التالية:
1- (وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا. قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا) (106- 107 الإسراء).
2- (وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ(48)بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ) (48-49 العنكبوت).
3- (وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) (6 سبأ).
4- (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا) (من 16 محمد).
يتبيَّنُ لنا، وبتدبُّرِ هذه الآياتِ الكريمة، أنَّ “الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ” هُم العلماءُ من الذين أوتوا الكتابَ، والذين وصفَهم اللهُ تعالى بأنَّهم علماءُ بَني إسرائيل: (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ. نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ.عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ. بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ. وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ. أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ) (192- 197 الشعراء).
فالعلمُ الذي أُوتيه أولو العلم هو ما قُدِّرَ لهم أن يُؤتَوهُ فضلاً من اللهِ ونعمة. وهذا العلمُ هو الكتابُ الذي أنزلَه اللهُ تعالى على مَن سبقَ رسولَه الكريم صلَّى اللهُ تعالى عليه وسلَّم من الرسُل: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ) (من 48 المائدة).