
نقرأُ في سورةِ هود، وفي الآياتِ الكريمة 69- 71 منها، قولَ اللهِ تعالى: (وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ. فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ. وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ). فما الذي جعلَ امرأةَ سيدِنا إبراهيم تضحكُ إثر عِلمِها بقربِ هلاكِ قومِ سيدِنا لوط؟
تعدَّدت آراءُ المفسِّرين بهذا الشأن، ولا ضيرَ في أن أضيفَ رأياً آخرَ طالما لم يتَّفق جمهورُ المفسرين على رأيٍ واحدٍ بِعينِه! فلطالما تجادل سيدُنا إبراهيم وامرأتُه بشأنِ قومِ سيدِنا لوط وفيما سيؤولُ إليه أمرُهم. فامرأةُ سيدِنا إبراهيم كانت ترى أنَّ اللهَ تعالى لابد وأن يُنزِلَ عذابَه بساحتِهم فيستأصلَهم عن بكرةِ أبيهم كما سبقَ وأن فعلَ مع قومِ سيدِنا هود وقومِ سيدِنا صالح، وذلك لأنهم قومٌ معتدون تعدَّوا حدودَ اللهِ تعالى. أما سيدُنا إبراهيم، فكان يخالفُها الرأيَ في ذلك آملاً أن يهدِيَهم اللهُ تعالى يوماً ما. فسيدُنا إبراهيم جادلَ اللهَ تعالى بشأنِ قومِ سيدِنا لوط حتى أمرَهُ اللهُ تعالى بأن يُعرِضَ عن هذا الجدال: (فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ. إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ. يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُود) (74- 76 هود).
فسيدُنا إبراهيم أرادَ أن يدفعَ عن قومِ سيدِنا لوط عذابَ اللهِ تعالى وذلك بأن تذرَّعَ بوجودِ سيدِنا لوط فيهم، وذلك حتى لا يصيبَهُ ما كان سيصيبُهم، فكان أن أنبأتهُ رسُلُ اللهِ بأنَّهم أعلمُ بمن في القرية: (وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ. قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ) (31- 32 العنكبوت).
يتبيَّنُ لنا، وبتدبُّرِ ما تقدَّم، أنَّ العلةَ من وراءِ ضَحكِ امرأةِ سيدِنا إبراهيم تعودُ إلى أنها قد رأت فيما جاءَ به رسُلُ اللهِ تعالى من نبأِ العذابِ الذي أمرَهم اللهُ تعالى بأن ينزِلوه بساحةِ قومِ سيدِنا لوط انتصاراً من اللهِ تعالى لها فيما ذهبت إليه بشأنِ ما سيؤولُ إليهِ أمرُهم، إذ أنَّها أصابت بهذا الشأن بينما جانبَ سيدُنا إبراهيمُ الصواب!