
نقرأُ في سورةِ الأنعام، وفي الآية الكريمة 128 منها، قَولَ اللهِ تعالى: (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ). فما هو معنى قولِ اللهِ تعالى “خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ” في هذه الآيةِ الكريمة؟
يُعينُ على تبيُّنِ هذا المعنى أن نتدبَّرَ الآية الكريمة 108 من سورةِ هود (وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ). إذ يتبيَّنُ لنا بتدبُّرِ هذه الآية الكريمة أنَّ معنى “خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ” هو ذاتُ المعنى الذي بإمكانِنا أن نُحيطَ به بتدبُّرِنا الآيتَين الكريمتَين 106- 107 من سورةِ هود (فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ(106)خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ). فأصحابُ النارِ خالدون في النارِ “إلى ما شاءَ الله”، أي إلى أبدِ الآبدين.
ويُخطئُ كلُّ مَن يظنُّ أنَّ قولَ اللهِ تعالى “خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ” يُجيزُ له القولَ بأنَّ الخلودَ في النارِ ليس إلى أبدِ الآبدين! فلسانُ القرآنِ العظيم ليس له بالضرورةِ أن يتطابقَ مع لسانِنا حتى يكونَ لقولِ اللهِ تعالى “خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ” ما نفهمُه وفقاً لما يقضي به لسانُنا من أنَّ الخلودَ في النارِ ليس أبدياً.