
خلقَ اللهُ تعالى الجنَّ والإنسَ ليعبدوه: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (56 الذاريات).
ولقد خلقَ اللهُ الجنَّ قبل أن يخلقَ الإنسَ، وذلك كما يتبيَّنُ لنا بتدبُّرِ قولِهِ تعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ. وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُوم) (26- 27 الحِجر). فما هي علةُ خلقِ اللهِ تعالى للجنِّ قبل أن يخلقَ الإنس؟
يُعينُ على الإجابةِ على هذا السؤال أن نستذكرَ الحقيقةَ القرآنيةَ التي مفادُها أنَّ “إبليسَ كان من الجن”: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّه) (من 50 الكهف). فما نعرفُه عن إبليسَ، كما عرَّفنا به قرآنُ اللهِ العظيم، موصولٌ بأحداثِ قصةِ سيدِنا آدم. فآدمُ ما كان ليُخرَجَ من الجنةِ لولا إبليس! فإبليسُ هو الذي أخرجَ آدمَ وزوجَه من الجنة، وذلك كما يتبيَّنُ لنا بتدبُّرِ قولِه تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ) (من 27 الأعراف).
فإذا كان المسارُ القدَري للأحداثِ يقتضي وجوبَ أن يَخرجَ آدمُ وزوجُه من الجنة، فإنَّ ذلك يلزمُ عنهُ لا محالةَ ضرورةُ أن يسبقَ خلقُ الجِنِّ خلقَ الإنس، وذلك طالما كان هذا الخروجُ قد قُدِّرَ له أن يكونَ مُسبَّباً بما جرى بين آدمَ وإبليسَ الذي كان من الجن!