
نقرأُ في سورةِ آل عِمران، وفي الآيةِ الكريمة 164 منها، قَولَ اللهِ تعالى: (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ). فما هو معنى “رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ” في هذه الآيةِ الكريمة؟
يُعينُ على تبيُّنِ هذا المعنى أن نستذكرَ الآياتِ الكريمةَ التالية:
1- (رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (129 البقرة).
2- (كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ) (151 البقرة).
3- (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) (2 الجمعة).
فاللهُ تعالى أرسلَ رسولَه الكريم صلَّى اللهُ تعالى عليه وسلَّم بلسانٍ عربيٍّ مبين: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (4 إبراهيم). وهذا اللسانُ العربي المبين هو اللسانُ الذي نزلَ بهِ القرآنُ العظيم:
1- (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (2 يوسف).
2- (وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا) (113 طه).
3- (قُرْءَانًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) (28 الزمر).
4- (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ. نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ. عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ. بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) (192- 195 الشعراء).
فعربيةُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ تعالى عليه وسلَّم هي آيةُ نبوَّتِه وبرهانُ إلهيةِ رسالتِه. فرسولُ اللهِ صلَّى اللهُ تعالى عليه وسلَّم قد بعثَهُ اللهُ تعالى في قومِهِ العرب “الأُميين”. و”الأُميُّون” هُم العربُ من بَني سيدِنا إسماعيل، كما كان يشيرُ إليهم أهلُ الكتاب. وهذا هو ما بوسعِنا أن نتبيَّنَه بتدبُّرِ ما جاءَ في الآيةِ الكريمة 157 من سورةِ الأعراف: (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ).
ولقد أمرَ اللهُ تعالى كلَّ مَن أرادَ أن يَهديَه اللهُ إليه أن يؤمنَ برسولِه النبي الأمي ويتَّبعه، أما وقد تبيَّنَ له أنَّهُ رسولُه حقاً وذلك من بعدِ أن شهِدَ له صلَّى اللهُ تعالى عليه وسلَّم علماءُ أهلِ الكتاب٧ بأنَّه رسولُ اللهِ النبيُّ الأمي الذي كانوا ينتظرون: (فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (من 158 الأعراف).