
أمرَنا اللهُ تعالى في قرآنِه العظيم بألا نكونَ من الذين غرَّتهم الحياةُ الدنيا: (وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا) (من 70 الأنعام). ولقد شدَّدَ اللهُ تعالى على وجوبِ ألا ندعَ الحياةَ الدنيا تغرُّنا، وذلك في قَولِه تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا) (من 5 فاطر). فما هو الاغترار بالحياة الدنيا الذي حذرنا منه اللهُ تعالى؟
يُعينُ على الإجابةِ على هذا السؤال أن نستذكرَ هذا الذي تتمايزُ به الحياةُ الدنيا عن الآخرة. فاللهُ تعالى خلقَ هذه الحياةَ الدنيا، وجعلَها للإنسانِ فتنةً، وذلك ليبتليَه فينظرَ كيفَ سيكونُ حالُه معهُ من بعدِ أن تتناوشَهُ بزينتِها وزخرُفِها وبهرجِها. فاللهُ تعالى زوَّدَ الحياةَ الدنيا بكلِّ ما من شأنِه أن يجعلَ مَن مكَّنَها من قلبِهِ وأتاحَ لها أن يفعلَ سحرُها في عقلِهِ ما يجعلُهُ يُصدِّقُ ما تُزيِّنُه له من أنَّها قائمةٌ بقوانينَ وأسبابٍ ليس بالعسيرِ عليه أن يُحيطَ بها ويقعَ عليها، وأن ليس هناك ما يقتضي منه وجوبَ أن يُصدِّقَ مَن يقولُ له إنَّ هناك آخرةً بعدها! فاللهُ تعالى إذ جعلَ الحياةَ الدنيا فتنةً للإنسانِ فإنَّه قد أباحَ لها، إن الإنسانُ أصغى بعقلِهِ وقلبِهِ لها، أن تُسيِّرَه صوبَ وجهتِها وأن تجعلَهُ يتوهَّمُ أنَّ المُلكَ فيها هو لِما تقومُ عليه أركانُها التي يزعمُ لسانُ حالِها بألا مُلكَ فيها لأحدٍ غيرِها! وأما إن أبى الإنسانُ أن يُنصِتَ لِما تقولُ به هذه الحياةُ الدنيا، وأصرَّ على أن يتَّبعَ هَديَ اللهِ تعالى، فسيتبيَّنُ له عندها بطلانُ قَولِها ولن يطولَ به الأمرُ حتى يجيءَ اليومُ الذي سيتبيَّنُ لكلِّ مَن أضلَّته هذه الحياةُ الدنيا، وصدَّقَ زعمَها بأنَّ المُلكَ لها، أنَّ المُلكَ يومَها للهِ الواحدِ القهار، وأنَّ مَن لم يغتر بها ولم يصدِّق زعمَها سيكونُ هو مَن يفلحُ يومَها.