
أقسمَ الشيطانُ بِعزةِ اللهِ تعالى لَيُغوِيَنَّ من بَني آدمَ كلَّ مَن لم يكُن من عبادِ اللهِ المُخلَصين: (قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ. إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) (82- 83 ص). ولقد أجازَهُ اللهُ تعالى بأن يفعلَ كلَّ ما بوسعِهِ حتى يكونَ له أن يحظى من بَني آدمَ بنصيبِهِ المفروض: (وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا. لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا) (من 117- 118 النساء)، وهو ما بوسعِنا أن نتبيَّنَه بتدبُّرِ الآيتَينَ الكريمتَين التاليتَين: (قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا. وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَولَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا) (63- 64 الإسراء).
ولذلك حذَّرَنا اللهُ تعالى فأمرَنا بألا نسمعَ لفتنةِ الشيطانِ وغِوايتِه التي أخرجت أبوَينا من الجنة: (يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ) (من 27 الأعراف). فالشيطانُ كان قد أغوى أبانا آدمَ وذلك بزعمِه أنَّ اللهَ نهاهُ وزوجَه عن أن يأكلا من الشجرةِ لئلا يكونا ملَكَين أو يكونا من الخالدِين: (وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ) (من 20 الأعراف). ولقد عزَّزَ الشيطانُ زعمَه هذا بأن قالَ لآدمَ بأنَّ تلك الشجرةَ هي “شجرةُ الخُلدِ وملكٌ لا يَبلى”: (فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى) (120 طه).
يتبيَّنُ لنا، وبتدبُّرِ ما تقدَّم، أنَّ اللهَ تعالى إذ أمرَنا بألا ندَعَ الشيطانَ يَغرُّنا، وألا نُمكِّنَه من عقولِنا يُوسوسُ فيها ما يشاء، فإنَّه إنَّما يريدُنا ألا نسمعَ لوسوستِهِ ولِتزيينِه ولإغوائِه وغِوايتِه وفِتنتِه، وأن نستعينَ على ذلك كلِّه بأن نتَّقِيَهُ حقَّ تُقاتِه فلا نُفرِّطَ في شيءٍ أمرَنا به (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (102 آل عمران)، ولا نستهينَ بشيءٍ هو عندَ اللهِ عظيم: (وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ) (من 15 النور).