
نقرأُ في سورةِ المائدة، وفي الآية الكريمة 101 منها، قولَ اللهِ تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ). فما هو معنى “عَفَا اللَّهُ عَنْهَا” في هذه الآيةِ الكريمة؟
يُعينُ على تبيُّنِ هذا المعنى أن نستذكرَ قولَ اللهِ تعالى الواردَ في الآية الكريمة 15 من سورةِ المائدة (يا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ). فالعفو هنا هو غيرُ العَفوِ الذي شاعَ معناهُ بأكثرَ مما شاعَ المعنى الذي تُشيرُ إليهِ الآيتان الكريمتان أعلاه. فالعفو الذي تواضعنا على الأخذِ بمعناه هو ما بوسعِنا أن نتبيَّنَه بتدبُّرِ الآياتِ الكريمةِ التالية: (وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) (من 286 البقرة)، (فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ) (من 109 البقرة)، (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ) (من 22 النور).
فالعفو الذي يُشيرُ إليه قَولُ اللهِ تعالى في الآيةِ الكريمة 15 المائدة أعلاه هو الإحجامُ عن ذكرِ كثيرٍ مما كان بالإمكانِ ذِكرُهُ ولكنَّ اللهَ أحجمَ عن ذِكرِهِ رأفةً منه ورحمة. وبذلك يكونُ معنى قولِ اللهِ تعالى “عفا اللهُ عنها” في الآية الكريمة 101 المائدة أعلاه “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا” هو ما بالإمكانِ إيجازُه وتلخيصُه بالكلماتِ التالية: “أما وأنَّ اللهَ تعالى قد عفا عن هذه الأشياءِ، التي تسألون عنها، ولم يذكرها في قرآنِهِ رأفةً بكم منه ورحمة، فخيرٌ لكم إذاً ألا تسألوا عنها”.