
يظنُّ كثيرٌ منا أن خروجَ إبليسَ من الجنة تزامنَ مع خروجِ آدمَ وزوجِه منها! ولقد نجمَ هذا الظنُّ عن إخفاقٍ في تفسيرِ كلمةِ “جميعاً” في الآيةِ الكريمة (قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) (من 123 طه). فاللهُ تعالى أخرجَ آدمَ وزوجَه من الجنةِ بُعيدَ أكلِهما من شجرتِها التي نهاهما عنها. أما إبليسُ، فإنَّ اللهَ تعالى كان قد أخرجَه من الجنةِ إثرَ امتناعِه عن السجودِ لآدم: (قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا) (من 18 الأعراف). ثم أنَّ اللهَ تعالى أسكنَ آدمَ وزوجَه في تلك الجنةِ ما أن أخرجَ إبليسَ منها. ويتبيَّنُ لنا ذلك جَلياً بتدبُّرِ الآيةِ الكريمة التي تلت الآيةَ الكريمة 18 الأعراف أعلاه: (وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ) (19 الأعراف). ولأنَّ اللهَ تعالى كان قد أذِنَ لإبليسَ بأن يُغوِيَ الإنسانَ فإنَّ إغواءَهُ لآدمَ لم يتعارض مع أمرِ اللهِ تعالى بإخراجِه من الجنة.
أما كلمةُ “جميعاً” في الآيةِ الكريمة (قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) (من 123 طه) أعلاه، فإنها لا تشملُ إبليسَ، كما توهَّمَ كثيرٌ منا! فهذه الكلمةُ تخصُّ آدمَ وزوجَه وذريَّتَهما إلى يومِ القيامة. ويتبيَّنُ لنا ذلك جلياً بتدبُّرِ تتمةِ هذه الآيةِ الكريمة والآيةِ الكريمةِ التي تليها: (قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى. وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) (123- 124 طه). فقولُ اللهِ تعالى هذا لا يُشيرُ إلا إلى بَني آدمَ الذين تعيَّنَ على كلِّ واحدٍ منهم أن يختارَ بين أن يتَّبِعَ هُدى الله أو أن يتَّخِذَ إلهَهُ هواه.