
نقرأُ في سورةِ النجم، وفي الآية الكريمة 37 منها، قولَ اللهِ تعالى (وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى). فلماذا وصفَ اللهُ تعالى سيدَنا إبراهيم بهذا الوصف (الَّذِي وَفَّى)؟
يُعينُ على الإجابةِ على هذا السؤال أن نستذكرَ البلاءَ الذي ابتلى اللهُ تعالى به سيدَنا إبراهيم، والذي وصفَه القرآنُ العظيم بـ “البلاءِ المبين” (إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ) (106 الصافات).
ويُعينُ على تبيُّنِ ماهيةِ هذا “البلاء المبين”، الذي ابتلى به اللهُ تعالى سيدَنا إبراهيم، أن نتدبَّرَ الآياتِ الكريمةَ التالية: (رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ. فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ. فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ. فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ. وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ. قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ. إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ. وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ. وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ. سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ. كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ. إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ) (100- 111 الصافات).
فسيدُنا إبراهيم عليه السلام “صدَّقَ الرؤيا” التي أراهُ اللهُ إياها، وبما يلزمُ عن ذلك من شروعِه بذبحِ ولدِهِ الذي كان يدعو اللهَ طوالَ عقودٍ من الزمانِ أن يمنَّ به عليه. وهذا أمرٌ لا يَقوى عليه أحدٌ من الناسِ فما بالُك بمن وصفَه اللهُ تعالى في قرآنِه العظيم بأنَّه “حليمٌ أواهٌ مُنيب” (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ) (75 هود)؟!
فسيدُنا إبراهيمُ إذاً قد وفَّى الرؤيا وصدَّقَها بهذا الذي شهدَ بهِ إقدامُهُ، دون تلكُّؤٍ أو تردد، على الشروعِ بذبحِ فلذةِ كبدِهِ.
يتبيَّنُ لنا إذاً، وبتدبُّرِ ما تقدَّم، أنَّ معنى قولِ اللهِ تعالى (وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى) هو “وإبراهيمَ الذي صدَّقَ الرؤيا”.