يظنُّ كثيرٌ منا أن الآيةَ الكريمة 53 من سورةِ المدثر (كَلَّا بَلْ لَا يَخَافُونَ الْآخِرَةَ) تتحدَّثُ عن الذين كفروا فحسب، وأنَّ الذين “قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ” هُم بمنأى عن أن تطالَهم هذه الآيةُ الكريمة بما تنطوي عليهِ من حُكمِ اللهِ تعالى على الذين لا يؤمنون بالآخرة! وهذا ظنٌّ يدحضُهُ ويُفنِّدُه هذا الذي هُم عليه المتطرفونَ من غِلٍّ وحقدٍ يجعلانِ كلَّ مَن أباحَ لهما قلبَه يناصبُ اللهَ العداءَ بتجاسرِهِ على قرآنِه العظيم الذي أمرَنا بالإحسانِ وأنبأنا بأنَّ اللهَ يحبُّ المحسنين!
فلولا أنَّ القومَ تملَّكَهم عشقُ الدنيا ومتاعِها وزخرُفِها لما كانوا أحرصَ الناسِ عليها، ولما تجلَّى ذلك على مظهرِهم ومخبرِهِم سوءَ خُلُقٍ وحقداً دفيناً! فخوفُ الآخرةِ من تقوى القلوب، وهو لذلك ليس باليسيرِ على كلِّ مَن هبَّ ودبَّ أن يتخلَّقَ قلبُه به. ولو أنَ القومَ خافوا الآخرةَ لتجلَّى ذلك عليهم حناناً على الخلقِ وإشفاقاً عوضَ هذه الغِلظةِ التي لا تصدرُ إلا عن قلوبٍ ما جعلَها اللهُ تعالى قاسيةً إلا لفَرطِ ما هُم عليه أصحابُها من تعلُّقٍ بالدينا وهوَسٍ مرَضي بمفاتِنِها!