
حفِظَ لنا قرآنُ اللهِ العظيم من قَصَصِ المَلَأِ من بَني إسرائيل من بعدِ سيدِنا موسى ما هو كفيلٌ بجعلِ “مَن كان له قلبٌ أو ألقى السمعَ وهو شهيد” يحرصُ، الحرصَ كلَّه، لئلا يكونَ من أولئكَ الذين انتهت بهم مجادلَتُهم لنبيِّهم إلى ما جعلَهم أشقى أهلِ زمانِهم دنيا وآخرة!
لنتدبَّر قولَ اللهِ تعالى الواردَ في الآيتَين الكريمتَين التاليتَين: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) (من 246 البقرة)، (وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ) (من 247 البقرة).
وهؤلاءِ “المجادلون” هُم الذين تخلَّفوا عن القتالِ مع سيدِنا طالوت، وذلك كما يتبيَّنُ لنا بتدبُّر قولِ اللهِ تعالى في الآية الكريمة 249 البقرة (فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ).
وهؤلاءِ “المُرجِفون” هُم الذين قالَ اللهُ تعالى فيهم في الآية الكريمة 246 البقرة: (فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ).
يتبيَّنُ لنا إذاً، وبتدبُّرِ ما تقدَّم، أنَّ الذين جادلوا نبيَّهم انتهى بهم الأمرُ “إلى القعودِ”، وإن كانوا هم الذين سألوه أولَ مرة أن يدعوَ اللهَ حتى يبعثَ لهم ملِكاً يقاتلون تحت رايتِه في سبيلِ الله!