
نقرأُ في سورةِ البقرة، وفي الآيةِ الكريمة 179 منها، قولَ اللهِ تعالى: (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).
لا ينبغي للاقتصاصِ من الجاني أن يقتصرَ “حدُّهُ” على الجُرمِ الذي جَنته يداهُ فيتحدَّدَ تِبعاً لذلك، وبما لا يكونُ فيه ما يحولُ دونَ إقدامِ “آخرينَ” على اقترافِ ما يماثلُ هذا الجُرم. فالأصلُ في العقوبةِ أن يُصارَ إلى تضمينِها ما يكفلُ أن “يَردعَ” كلَّ مَن تُطوِّعُ له نفسُه القيامَ بالجُرمِ الذي يستحقُّ أن يُعاقبَ مقترفُه عليه. فالردعُ هو ما ينبغي على القِصاصِ أن يشتملَ عليهِ حتى يتحقَّقَ للمجتمعِ أمانُهُ. وكلُّ مَن يطالبُ بأن “تُشذَّبَ العقوبةُ”، فيُصارَ إلى جعلِها مناسِبةً للجريمةِ، إنما يُمهِّدُ السبيلَ لآخرينَ أن يحذوا حَذوَ مقترفِها ظناً منهم وتوهُّماً أنَّ بمقدورِهم أن يقترفوها بإتقانٍ يؤمِّنُ لهم الإفلاتَ من العقوبة!
ولذلك كان في “تغليظِ العقوبةِ”، وذلك بجعلِها لا تتناسبُ مع الجريمةِ، ما يكفلُ للمجتمعِ “حياةً” هي حصيلةُ كلِّ الحيواتِ التي حالَ هذا التغليظُ دون إزهاقِها. وهذا هو عينُ ما بوسعِنا أن نتبيَّنَه بتدبُّرِ توصيفِ اللهِ تعالى للقِصاصِ بأنَّ لنا فيه “حياة”.
ولذلك فإنَّ الاقتصاصَ من قاتلِ “نيِّرة” ينبغي أن يكونَ “مُغلَّظاً” وبما يُحقِّقُ للمجتمعِ هذه “الحياةَ” التي يتكفَّلُ هذا التغليظُ بتأمينِها. ولا ينبغي، والحالُ هذه، أن تأخذَنا في القاتلِ أيُّ رحمةٍ، وإلا فإنَّنا سنكونُ قد قتلنا “نيِّرة” مرةً أخرى ومهَّدنا السبيلَ لمقتلِ “نيِّراتٍ” أخرياتٍ لا يعلمُ إلا اللهُ تعالى عددَهن!!!