
نقرأُ في سورةِ الأعراف، وفي الآيةِ الكريمة 58 منها، قولَه تعالى: (وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ). فما معنى “وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا” في هذه الآيةِ الكريمة؟
يُعينُ على تبيُّنِ هذا المعنى أن نتدبَّرَ الآيةَ الكريمة 26 إبراهيم (وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ) والآيةَ الكريمةَ 92 النحل (وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا). فإذا كانت الشجرةُ الخبيثةُ لا تشدُّها إلى الأرضِ جذورٌ تُثبِّتُها، فتحولُ بذلك دون أن يكونَ من اليسيرِ اقتلاعُها، وذلك لأنها قد ماتت منذ مدةٍ من الزمانِ فتعفنَّت جذورُها، فإنَّ الأرضَ الخبيثةَ لن تُخرِجَ من النباتِ إلا ما ليس بذي نفعٍ لإنسانٍ أو حيوان وذلك لافتقارِها إلى ما يكفلُ للنباتِ قوامَه ونظارتَه. فالأرضُ الخبيثةُ قد فارقتها قوَّتُها إذ أسِنَ ماؤها فتعذَّرَ بالتالي على نباتِها أن يجدَ ما يستقيمُ به حالُه.
فالنباتُ، والحالُ هذه، لا يخرجُ إلا “نَكِداً” متفرِّقاً أنكاثاً لا يُقيمُ أوداً ولا يُسمِنُ من جوع. وهذا هو ما عليه مَن لم يُعِنهُ حالُه مع اللهِ على أن ينتفعَ بما جاءه به دينُه فينتهيَ به الأمرُ بعدها إلى أن يُصبحَ كتلك الشجرةِ الخبيثةِ التي يسهُلُ اجتثاثُها من فوقِ الأرضِ من بعدِ أن انقطعَت صِلتُها بمصدرِ حياتِها.