هاروتُ وماروت مَلَكانِ كريمان

يأبى كثيرٌ منا أن يُصدِّقَ ما جاءنا به القرآنُ العظيم من حقائق، وذلك طالما كان الإقرارُ بها يقتضي من العقلِ أن يؤمنَ بما لا يتَّفقُ مع ما وقرَ لديه على أنَّه “الحقُّ الذي لا يُماري فيه إلا جاهلٌ أو مُعانِد”!!! فإقرارُ العقلِ بما جاءنا به القرآنُ العظيم يتطلَّبُ منا أن تكونَ الكلمةُ العُليا والقولُ الفصل وفصلُ الخطاب لهذا الذي جاءنا به القرآن العظيم. وهذا أمرٌ ليس باليسيرِ على عقولِنا أن ترتضيَه طالما كان يتعارضُ مع ما نظنُّ أنَّ المخالفةَ عنه تجعلُ من المخالِفِ إنساناً يفتقرُ إلى العقل!
فإذا كان اللهُ تعالى هو مَن أنبأنا بأنَّ هاروتَ وماروت هما ملَكان من ملائكتِه الكرام أوفدَهما إلى الأرضِ فِتنةً لأهلِ بابل، فمَن نحن حتى نُحكِّمَ عقولَنا فيما جاءنا به اللهُ تعالى بشأنِ “هويةِ” هاروت وماروت لنخلُصَ بعدها إلى نتيجةٍ مفادُها أنَّ ما أنبأنا به اللهُ يتعارضُ مع ما تقضي به عقولُنا التي تأبى أن تُصدِّقَ بأنَّ اللهَ تعالى يفعلُ ما يشاء حتى وإن تجلى ذلك فتنةً لأهلِ بابل كُلِّفَ بها ملَكان من ملائكةِ اللهِ الكرام أنزلَ اللهُ تعالى عليهما “مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ”؟!
وهذا إن دل فإنما يدلُّ على كذبِ مَن زعمَ بأنَّ “القرآنَ ربيعُ قلبه”! فالأمرُ لو كان كما يزعمُ صاحبُنا، أما كان يجدرُ به أن يُحكِّمَ القرآنَ في عقلِه عِوضَ أن يُحكِّمَ عقلَه في القرآن؟! لقد كان بمقدورِ صاحبِنا هذا أن يتدبَّر “الشروطَ والضوابط” التي انطوت عليها آيةُ هاروت وماروت (الآيةُ الكريمة 102 البقرة)، حتى يتبيَّنَ أنَّ الأمرَ خِلافُ ما يقول!
فاللهُ تعالى كشفَ لنا النقابَ عن أنَّ مَن اشترى من الملكَين الكريمَين هاروت وماروت ما يظنُّ أنَّه سيُمكِّنُه من أن “يُفرِّقَ به بين المَرءِ وزوجِه”، لن يتحقَّقَ له مبتغاه إلا إذا شاءَ الله (وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ) (من 102 البقرة)، وأنَّ الملكَين الكريمَين هاروتَ وماروت ما كانا ليبيعاه ما أُنزِلَ عليهما إلا من بعدِ أن يخبراه بأنَّه سيُخلَّدُ في نارِ جهنم إن هو مضى قُدُماً في عمليةِ الشراءِ هذه: (وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُون) (من 102 البقرة). فالمَلكان الكريمان هاروتُ وماروت لم يفعلا ما فعلاهُ إلا بأمرِ اللهِ وإذنه، وهما لم يشرعا بعرضِ بضاعتِهما على أحدٍ من أهلِ بابلَ إلا من بعدِ أن يُنبِئاه بأنهما مُرسلانِ من عندِ الله “فتنة”: (وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ) (من 102 البقرة).
فكيفَ يتجاسرُ بعد هذا جاهلٌ أو مُعاندٌ على القولِ في هذين الملَكين الكريمَين ما يتعارضُ مع ما جاءنا به قرآنُ اللهِ العظيم؟! وكيف بلغَ ببعضِنا سوءُ الحالِ مع اللهِ تعالى حتى انتهى به الأمرُ إلى أن يقولَ إن هذين الملكَين الكريمَين هما شيطانانِ (حاشاهما وأستغفر الله)؟!
إنَّ الاكتفاءَ بقراءةِ القرآنِ العظيم دون تدبُّرٍ لن يُكسِبَ صاحبَه إلا ما أكسبَ الصيامُ مَن لم يصُم شهرَ رمضان ابتغاءَ وجهِ اللهِ ومرضاتِه: رئاءَ الناس! وعلى كلِّ مَن ناصبَ القرآنَ العظيمَ العداءَ أن يعلمَ أنَّه مُحاسَبٌ يومَ القيامةِ على تجاسرِه على آياتِه التي حكَّمَ فيها نفسَه وهَواه فكان حقاً على اللهِ أن يُناصبَه العداء.

أضف تعليق