
المتطرفون هُم هُم على مَرِّ الزمان ومهما تباينت الأعراقُ واختلفت الألوان! فإذا كان متطرفوا هذا الزمانِ يستصوبونَ ويستحسنونَ الإساءةَ إلى غيرِ المسلمين بحجةٍ مفادُها أنَّهم “مشركون غيرُ موحِّدين”، فإنَّ المتطرفين من أهلِ الكتابِ من معاصري رسول الله كانوا يسوِّغونَ لإساءاتِهم إلى الذين آمنوا معه صلَّى اللهُ تعالى عليه وسلَّم بأنَّهم “أُميُّون” (أي أبناءُ هاجرَ أَمَةِ سارة زوجِ إبراهيم)!
فالمتطرفون من أهلِ الكتاب، من معاصري رسولِ الله صلَّى اللهُ تعالى عليه وسلَّم، كانوا يُجيزون لأنفسِهم تعدِّي حدودِ اللهِ تعالى طالما كان “المُعتدى عليه” هو ليس من أهلِ الكتاب: (وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (75 آل عمران). ولقد فنَّد اللهُ تعالى زعمَ هؤلاء المتطرفين بقولِه: (بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) (76 آل عمران). وقولُ اللهِ تعالى هذا لا يخصُّ أولئك المتطرفين وحسب، وإنما يطالهم أينما كانوا وفي أي زمان، بما في ذلك زمانِنا هذا الذي اقتفى متطرفوه خطى أشياعِهم من متطرفي أهلِ الكتاب من معاصري رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ تعالى عليه وسلَّم! ولو أنَّهم تدبَّروا القرآنَ العظيم لتبيَّن لهم ما هم عليه من ضلالٍ مبين ما زجَّهم فيه إلا إصغاؤهم لما تأمرُ به النفسُ وهواها!