في معنى قَولِ اللهِ تعالى “وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ”

نقرأُ في سورةِ الفتح، وفي الآية الكريمة 29 منها، قولَ اللهِ تعالى: (وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ). وقولُ اللهِ تعالى هذا يُشيرُ إلى مَثَلِ الذين آمنوا مع سيدِنا محمد صلَّى اللهُ تعالى عليه وسلَّم في الإنجيل. فاللهُ تعالى ذكرَ في الإنجيلِ، الذي آتاهُ سيدَنا المسيحَ عيسى ابنَ مريم، صفةَ الذين آمنوا مع سيدِنا محمد صلَّى اللهُ تعالى عليه وسلَّم. وهذه الصفةُ هي عينُ ما ذكرَه اللهُ تعالى في قرآنِه العظيم في الآية الكريمة 29 من سورةِ الفتح أعلاه.
فاللهُ تعالى يُذكِّرُ في هذه الآية الكريمة بما سبقَ وأن ذكرَه في الإنجيل من عظيمِ فضلِه على الذين آمنوا مع سيدِنا محمد صلَّى اللهُ تعالى عليه وسلَّم؛ هذا الفضلُ العظيمُ الذي لولاه ما كانت لتقومَ للإسلامِ قائمة. فاللهُ تعالى هو الذي أيَّدَ رسولَه الكريم صلَّى اللهُ تعالى عليه وسلَّم بنصرِه وبالمؤمنين. واللهُ تعالى هو الذي ألَّفَ بين قلوبِ المؤمنين فجعلَهم إخواناً. فرسولُ اللهِ صلَّى اللهُ تعالى عليه وسلَّم ما كان ليؤلِّفَ بين قلوبِ المؤمنين ولو أنفقَ ما في الأرضِ جميعاً، لولا أنَّ اللهَ تعالى ألَّفَ بينهم (هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ. وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيم) (من 62- 63 الأنفال).
فلولا أنَّ اللهَ تعالى تعهَّدَ “غرسةَ الإسلامِ” بعينِ رعايتِه لما قامت للإسلامِ قائمة. فاللهُ تعالى هو الذي أغدقَ على هذه الغرسة ما مكَّنَها من أن تنموَ ويشتدَّ عودُها حتى أصبحت شجرةً لا قدرةَ لمخلوقٍ على أن يقتلِعَها.
ولقد تجلَّى نصرُ اللهِ تعالى للإسلام بتأييدِه للذين آمنوا مع سيدنا محمد صلَّى اللهُ تعالى عليه وسلَّم تدخُّلاً مباشراً ما كانوا لولاه ليدحَروا عدوَّ اللهِ وعدوَّهم: (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ) (من 123 آل عمران)، (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ. ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا) (25- من 26 التوبة).
إنَّ تدبُرَ قولَ اللهِ تعالى (وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ) يُبيِّنُ لنا أنَّ القراءةَ الصائبةَ، والوحيدة، لقصةِ ظهورِ الإسلامِ على أعدائِه لَتقتضيَ منا وجوبَ أن نعزوَ العلةَ من وراءِ هذا الظهورِ إلى عظيمِ فضلِ اللهِ تعالى على رسولِه الكريم صلَّى اللهُ تعالى عليه وسلَّم وعلى الذين معه. فالاكتفاءُ بإيرادِ هذه الجملة من الأسبابِ أو تلك، وذلك للتعليلِ لهذا الذي حدثَ فجعلَ الإسلامَ يظهرُ على أعدائه، هو ديدنُ أولئك الذين لا يُريدون أن يُصدِّقوا أنَّ للهِ تعالى “تدخلاتٍ مباشرة” في أحداثِ الوجود هي العلةُ من وراءِ ما تتمايزُ به (هذه الأحداث) من “حضورٍ استثنائي” لا تكفي أسبابُ الكونِ كلُّها جميعاً للتعليلِ له! فلولا أنَّ اللهَ تعالى هو مَن آزرَ “شتلةَ الإسلام”، وتعهَّدَها بما كفلَ لها أن يشتدَّ عودُها، لما قُدِّرَ للإسلامِ أن يظهرَ على أعدائه. فالنصرُ نصرُ الله والفضلُ كلُّه لله: (وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ الله) (من 10 الأنفال)، (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُون) (160 آل عمران)، (وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ) (من 13 آل عمران)، (وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) (13 الصف).
على أنَّ ما تقدَّمَ لا ينبغي أن يُفهمَ منه أنَّ “نصرَ الله” يجيءُ هكذا ومن دونِ أن تستدعيَه وتجتذبَه وتوجبَه “خِصالٌ وصفات” لولا أنَّ الذين آمنوا مع سيدِنا محمد صلَّى اللهُ تعالى عليه وسلَّم تحلَّوا بها ما كان اللهُ تعالى ليأذنَ بمجيءِ نصرِه!

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s