
نقرأ في سورةِ عبس، وفي الآية الكريمة 19 منها، قَولَه تعالى: (مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ). فما هو معنى “قدَّره” في هذه الآيةِ الكريمة؟
قدَّرَ اللهُ تعالى الإنسانَ فمكَّنَه من يدِهِ وساقِه وسمعِه وبصرِه، فأصبحَ بذلك “قادراً” على أن يُحسِنَ التعامُلَ مع بيئتِه ومحيطِه دون أن يُضطرَّ إلى الاستعانةِ بما يُمكِّنُه من ذلك. وهذا هوعينُ ما بوسعِنا أن نتبيَّنَه بتدبُّرِ الآيةِ الكريمة (إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا) (2 الإنسان). فاللهُ تعالى “قدَّرَ الإنسانَ” فجعلَه سميعاً بصيراً “قادراً” على أن يُحيطَ بما يُحيطُ به من شيءٍ “قدَّرَ” اللهُ تعالى له أن يحيطَ به. فلولا أنَّ اللهَ تعالى قدَّرَ الإنسانَ بما أنعمَ عليه به من أنعُمِ السمعِ والبصرِ والعقلِ، لما كان بمقدورِ الإنسانِ أن يبقى على قيدِ الحياة. فالإنسانُ قادرٌ ما قدَّرَه اللهُ فجعلَ بمقدورِه أن “يتفاعلَ” مع بيئتِه ومحيطه رحمةً منه به، فإن هو أمسكَ رحمتَه فلا مُرسلَ لها من بعدِه ولن يكونَ بمقدورِ أحدٍ أن “يُقدِّرَ” الإنسانَ أما وقد أمسكَ اللهُ رحمتَه، وذلك كما يتبيَّنُ لنا بتدبُّرِ عجزِ الإنسانِ عن “التفاعلِ السَّوي” مع ما يُحيطُ به ما أن يبلغَ أرذلَ العُمُرِ فلا يعلمُ بعدَ علمٍ شيئاً: (وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا) (من 70 النحل).
فاللهُ تعالى، الذي خلقَ الإنسانَ فقدَّرَه، هو مَن إن شاء أمسكَ رحمتَه، وذلك حينَ يأذنُ بأن تفعلَ الأسبابُ فِعلَها الذي قدَّرَه لها فلا يعودُ بعدها بمقدورِ الإنسانِ أن يفيدَ من قِواه، وذلك في حالِ السَّقمِ والمرض. فالإنسانُ قادرٌ ما قدَّرَه الله، وعاجزٌ إن هو لم يقدِّره.