
نقرأُ في سورةِ آل عمران، وفي الآيتَين الكريمتَين 35- 36 منها، قولَه تعالى: (إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ. فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ). فامرأةُ عِمران نذرت للهِ تعالى ما في بطنِها فجعلته مُحرَّراً من كلِّ ما ترتجيه النساءُ من أبنائِهن إذ نذرته للخدمةِ في بيتِ المقدس ظناً منها بأنَّه سيكونُ ذكراً مؤهلاً بذلك لهذه الخدمة، فلما أن وضعت ما في بطنِها تبيَّن لها أنها أنثى. وهنا أدركت ما سيعودُ به على وليدتِها كونُها أنثى من مصاعبَ ومشاق جراءَ ما تواضعَ عليه القومُ من استصغارٍ للأنثى واستعظامٍ لما يقتضيه القيامُ بالخدمةِ في بيتِ المقدس من قوةٍ وصبرٍ ومصابرةٍ وجَلَد ليس للأنثى أن تتحلَّى بأيٍّ منها.
ثم أنَّ السيدة مريم عندما وضعت وليدَها، وأتَت به بعد ذلك قومَها فهالَهم من أمرِه وأمرِها ما هالَهم حتى قالوا لها ما حفظته لنا الآيةُ الكريمة 28 من سورة مريم: (يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا). فلماذا خاطبَ القومُ السيدةَ مريم يا أختَ هارون؟
يُعينُ على الإجابةِ على هذا السؤال أن نستذكرَ ما كان قد تواضعَ عليه القومُ أباً عن جد من أنَّ مَن يقومُ بالخدمةِ في بيتِ المقدس يتعيَّنُ عليه أن يكونَ من ذريةِ سيدِنا هارون أخي سيدِنا موسى عليهما السلام. فالقومُ إذ توجَّهوا إليها مخاطبين بهذه الصيغة، “يا أختَ هارون”، فإنَّهم إنما كانوا يُعرِّفونها بدلالةٍ من هذا الذي ينبغي أن يكونَ عليه القائمُ بالخدمةِ في بيتِ المقدس من انتسابٍ إلى آلِ هارون.